"الهيمنة على الحشائش": من بذرة إلى منحوتة آداب وفنون
تشير معظم الدراسات الأركيولوجية إلى أن النشاط الزراعي في فلسطين يعود إلى نحو عشرة آلاف عام، حيث شكّل أساساً لتكوّن الحضارات المتعاقبة التي اعتمدت العديد من النباتات والمحاصيل في تهجين دائم لأنواعها وزراعة مزيد منها على مرّ السنين، ووثقّتها نقوش أثرية وحفظتها تعبيرات فنية متنوعة.
افتتح عند الخامسة والنصف من مساء أمس الثلاثاء معرض "الهيمنة على الحشائش" في "مؤسسة عبد المحسن القطّان" بمدينة رام الله الفلسطينية، والذي يتواصل حتى الأول من كانون الأول/ ديسمبر المقبل بمشاركة عدد من الفنانين، وإشراق القيّم يزبد العناني.
الصورة
(من المعرض)
يبحثُ المعرضُ في "التحوُّلِ الحاصلِ في فهمِ الغطاء النباتي الفلسطيني، ومواطنه البيئية عبر التاريخ، وعلاقته بحياة الفلسطينيين، وبخاصة مع ظهور الصناعات الزراعية المبكرة خلال الانتداب البريطاني، وبدء عمليات الزراعة المكثفة للمحاصيل"، بحسب بيان المنظّمين.
يوضّح البيان أيضاً أن التاريخ الطويل للمُمارسات الزراعية المستدامة في فلسطين مرّ بتحول كبير نتج عنه اهتمام بتلك النباتات التي لا تُعطي، بالضرورة، منفعةً اقتصاديّةً، أو زراعيةً متخصصة، بل كان هناك اهتمامٌ بالنباتات التي تُستخدم لأغراضٍ أخرى مثل الاستخدامات الطبية، والفلكلورية، وحتى استعمال النباتات لأغراض الخرافات والشعوذة، والاستعمالات الأخرى في الحقل (كالتكاثر، وطرد الحشرات، والتغذية، وغيرها)، وتُعتبر هذه الاستعمالات غير متلائمة مع القيم الصناعية الجديدة، المبنية على المنفعة الاقتصادية.
يلفت المعرض إلى أن علم تصنيف النباتات الغربي قام فجأة بتصنيف الكثير من هذه الأجناس المحلية كأعشاب ضارة، بحيث تمّ إدخال المبيدات والأساليب الجديدة الأخرى لمكافحتها، إضافة إلى الحملات والنشرات التوعوية. وكان لهذا المنعطف التاريخي تبعات ما زالت أصداؤها تتفاعل حتّى يومنا هذا. كما اقتصرت معرفة النباتات، كجزء من هوية شعب فلسطين جغرافيتها، على الجوانب المتعلقة بالمنفعة من هذه النباتات.
الصورة
(من المعرض)
وقد اعتمد ثلثا سكّان فلسطين كما يؤكد الباحثون، على الزراعة قبل الاستعمار البريطاني عام 1948، وكانت زراعات سنوية موسمية كالحبوب والخضار؛ أو دائمة كالأشجار المثمرة، لكن السلطات الاستعمارية خلقت ظاهرة الثنائية في الاقتصاد الزراعي الفلسطيني مقابل اقتصاد المستوطنات الصهيونية، حيث أخذ الأول بالتراجع المستمر نتيجة غياب إدارة التنمية الوطنية.
يشارك في المعرض كلّ من ألكسندرا صوفيا حنظل، وإيناس حلبي، وبشار الحروب، وتيسير بركات، وجمانة وإميل عبود، وجمانة مناع، وجواد المالحي، وحنا قبطي، وخالد جرار، وديما حوراني، وديما سروجي، ورأفت وأسعد، ورندا مداح، ورونين زين، وسليمان منصور، وشذى صفدي، وعاصم ناصر، وعامر شوملي، وعايد وعرفة، وعبد الرحمن الجولاني، وعريب طوقان، وعلاء أبو أسعد، وعلا زيتون، وعيسى غريّب، وفيرا تماري، ومجد عبد الحميد، ومحمد أبو سل، ومنال محاميد، ومهدي براغيثي، وميرنا بامية، وناصر سومي، ونبيل عناني، هيثم حداد.
استندت فكرة المعرض إلى إعطاء ثلاثة وثلاثين فناناً وفنانةً ثلاثاً وثلاثين بذرةً بناءً على الرسم التوضيحي لأكثر الحشائش الضارة شُيوعاً في فلسطين، والذي كان جزءاً من المعرض المتنقل الذي أقيم في العام 1940، وطُلب من كلِّ فنانٍ أن يتفحَّصَ العشبة بين يديه عبر تشريحها تشريحاً دقيقاً، ومن ثمَّ يُحوِّلُ البذرة إلى منحوتة.
يُطلَبُ، أيضاً، من كلِّ فنانٍ أن يدرس عشبته الضارة، ويُوفِّرَ المواد المُصاحبةَ للمنحوتة التي من شأنها أن تُقوِّضَ القيمة التي أسبغتْها الصناعة البريطانية على البذرة إبان الاستعمار، وتُحوِّلَها إلى قيمةٍ أخرى أكثر شخصية، أو شاعرية. تمّ إنتاج كتاب يرافق المعرض، ويحتوي على النصوص والترجمات، إضافة إلى المواد الواردة في الأبحاث التي أجراها الفنانون، والكتاب، والمفكّرون المحليّون الآخرون.
المصدر:العربي الجديد