Skip to main content
"صدی الأرواح": تفكيك النفس البشرية في عمل أدبي

مصادفة بسيطة تجعل الدكتور عادل شكري طبيب الأمراض النفسية السوري يعثر علی تدوينات حامد إبراهيم التي كتبها قبل مقتله منذ 22 عامًا.

 

"صدی الأرواح" رواية للكاتب السوري عبدالخالق كَلاليب، صدرت عن دار التنوير في عام 2018، وتتحدث عن طبيب سوري يعود إلی بلده بعد حصوله علی الشهادة الجامعية التي تُمكنه من مزاولة مهنة طبيب للأمراض النفسية من فرنسا، وبعد عودته بأربع سنوات يسكن في منزل حدثت به جريمة قتل منذ 22 عامًا لشاب يُدعی حامد إبراهيم، ويبدو أن من قتله هو صديقه في مستشفی الأمراض النفسية، الذي دامت صداقته معه حتی بعد تعافيهما وخروجهما واحدًا تلو الآخر من المشفی، لكن سعيد زنزن صديق حامد والمتهم بقتله يموت بعد مقتل صديقه بثلاثة أيام وتُغلق القضية علی هذا الأساس.

 

"كيف تستطيع روح الإنسان، أي إنسان، أن تحتمل هذا الكم الهائل والمبهظ من الحزن؟ حزنٌ يتقطر أحيانًا عبر سنوات طويلة جدًّا من الأيام الباردة والليالي الخاوية إلا من الذكريات الموجعة والحية علی الدوام؟".

- صدی الأرواح | عبدالخالق كَلاليب.

 

يعثر الطبيب علی حقيبة مهترئة تحتوي علی دفاتر كُتبت بيد القتيل، ويدفعه الفضول إلى القراءة، ثم الرغبة في تحليل شخصيته ومعرفة مرضه العضال الذي عاش به، ومعرفة دواعي مرضه وأساسه، ثم يدفعه الفضول إلى البحث عن كل من ذُكروا في هذه المذكرات التي ماتت بموت كاتبها منذ أكثر من عقدين. يتحدث عبدالخالق كَلاليب بلسان الطبيب النفسي، وينقل إحباطه ومحاولاته المرهقة معرفة الجاني الحقيقي، وبسلاسة وخفة ورصانة يغوص داخل نفوس الأشخاص وأبطال العمل واحد تلو الآخر كي يجد ما يريح ضميره المهني، وكي يساعد روح حامد إبراهيم الذي عاش مُعذبًا تحت وطأة الشعور بالعزلة الإجبارية، في منزل كبير لا يضم إلاه وجدته العجوز، وبين موتة قاسية لم يكن يستحقها هذا الشاب الذي منعه الاكتئاب والاضطرابات النفسية من عيش الحياة بصورة ممتعة علی أي نحو.

 

"الدنيا قد تكون كريمة، ولكن الناس ليسوا كذلك علی الإطلاق".

 

ما الذي قد يدفع المرء إلى البحث عن حقيقة أمر انتهی؟ وأي نتيجة قد يصل إليها لن تكون مفيدة بأي طريقة!

 

 

تتقاطع الطرق بين الدكتور عادل وبين القتيل حامد إبراهيم. الطبيب مطلق، وحيد، مصاب بإحباط شديد ويعاني فقدان والديه وطلاقه الحديث، والقتيل كان رجلًا وحيدًا يعيش تقريبًا بمفرده في منزل كبير، يكتب ويحب الفلسفة والموسيقی الكلاسيكية لباخ وڤاغنر، كاد يعيش حياة هادئة ويتزوج المرأة التي يحبها ويكون له صديق وحيد يخفف وطأة وحدته، لكن يدًا امتدت بشمعدان برونزي عتيق لتشج رأسه وتنهي حياته وتُحاكم صديقه دون عدالة وتحكم عليه بالموت.

 

"نعيش علی حافة الهاوية منذ قرون فهل سيستمر الأمر قرونًا كفارة أخری ونحن لا ندري؟".

 

الكاتب عبدالخالق كَلاليب نسج الرواية بكلمات ومصطلحات قوية، بسيطة كالماء، مركبة في بعض الأحيان بسبب المصطلحات الطبية، برصانة، وبمهارة جراح ماهر أمسك بالقلم وخط رواية شجية شديدة العذوبة والصعوبة في آنٍ واحد. تقاطع سرد الطبيب مع تدوينات القتيل، وهو ما جعل القراءة عملية ركض متواصلة خلف الحقيقة المرجو معرفتها ومعرفة أسبابها. الأسلوب الشاعري، والمفردات الحية في السرد، وموسيقی ڤاغنر الحزينة ومعزوفات باخ الهادئة الموجودة في خلفية النص؛ كل هذه المكونات جعل السرد مكثفًا لأدق التفاصيل، سواء لحياة الطبيب أو القتيل. اللغة جعلت النص جنائزيًّا حزينًا عبقريًّا علی غرار المقطوعات الموسيقية المذكورة، والفكرة التي تتأرجح بين البوليسية والفلسفة وعلم النفس لم تجعل الملل يعرف طريقة للتسلل في أثناء القراءة، وكلها أشياء صنعت نصًّا عبقريًّا بديعًا، من الصعب عدم دراسته وعدم التوقف أمامه لتأمله بسبب كل ما يسببه من قشعريرة وامتزاج بين الأبطال.

 

عبد الخالق كَلاليب صنع نصًّا عظيمًا وخالدًا في ذاكرتي بصفتي قارئًا وكاتبًا.

 

 

 

 

 

المصدر:منصة الكتابة الابداعية

09 Sep, 2020 01:47:26 PM
0

لمشاركة الخبر