لماذا نكتب ؟ د. سلطان الخضور
لماذا نكتب ؟ د. سلطان الخضور
مكتبات العالم مليئة بالكتب متعددة الأشكال والأحجام والألوان والمواضيع، والمكتبات العامة والخاصة والجامعية تعج بالكتب العلمية -الأرض والجو والبحر- والأدبية بأجناسها الشعر والرواية والقصة والنقد والمقالة وغيرها من صنوف الأدب، ولم ولن تتوقف عجلة الكتابة يوماً عن الدوران، فالكتابة أمر مقرون بالوجود.
ولم تكن الكتابة يوماً مقصورة على شعب من الشعوب أو على أمة دون غيرها أو على جنس دون الأخر. إذن عجلة الانتاج مستمرة ودائمة وعامة ومتعددة. لكن السؤال الذي ينتصب في مقدمة المقال هو لماذا نكتب؟
وبالرغم من صعوبة الكتابة وما تسببه من قلق وأرق ونتائج متعبه يتحملها الكثير من الكتاب التي تصب نتائجها بجرهم إلى السجن أحياناً، وتعرضهم للنقد والانتقاد أحايين أخرى، إلا أن البعض منهم يستمرؤون العواقب والقليل منهم ينسحب أمام الضغوط التي قد يواجهون فيختارون التنحي جانباً وعدم الاستمرار. ولا بد أن يكون لكل شخص دافع معين يحثه على البدء أو الاستمرار واحياناً امتهان الكتابة نستطيع تلخيصها في النقاط التالية:
الشعور بالقوة:
ونعني بالقوة هنا وجود محفز داخل الكاتب يشعره بالتميز، فحين يشعر الشخص أن دواخله هي مكامن للقوة من أي نوع سواء أكانت لغوية أو أدبية أو علمية أو دينية، يستطيع بلورتها إلى إبداع، فإنه أن اقترنت هذه القوة بالرغبة والقدرة يكتب بضغط من الطاقة الكامنة التي بداخله والتي تحاول الخروج ، فتخرج إما شعراً أو نثراً،وهذه القوة قد يعبر عنها مشافهة أو كتابة، حسب قدرات الشخص وميولهوإن كانت كتابة، غالباً ما تكون كتابة إبداعية، لها متابعيها.
التعبير عن العواطف:
هناك عواطف هي جزء من تكوين البشر، لا يكاد يخلو منها شخص وفي جميع المجتمعات، وقد تكون هذه العواطف عواطف محبة مثل عاطفة حب الوطن أو عاطفة حب فتاة لشاب أو العكس أو عاطفة الأمومة أو الأبوة أو عاطفة كره مثل كره العدو وكره المستعمر أو المحتل أو المعتدي سواء كان فرداً أو جماعة. هذه العواطف بأشكالها تكون في بعض الأحيان دافعاً للكتابة بهدف التعبير عن الشعور ومحاولة إعلام الآخرين به، كنوع من التباهي كمثالي حب الوطن وكره العدو.
التفاعل:
تعتمد عملية التفاعل على أمرين الحدث والكاتب المتفاعل، فقد يكون الحدث مهماً فيفرض نفسه على البعض فيكون مادة دسمة تستحق الكتابة، ومن المؤكد أن الأمر هنا نسبي، فكلما زادت قوة تأثير الحدث كلما زادت نسبة التفاعل وبالتالي زاد الإنتاج، والأمر نسبي أيضا بالنسبة لاستجابة الكاتب المتفاعل، فلا يستجيب كل المتفاعلين بنفس القدر، والقوة والضعف في مدى الاستجابة تنعكس بشكل مباشر على المتلقي، ويعتمد الأمر على جودة المنتج.
إثبات الذات:
من الأسباب الرئيسة للكتابة محاولة إثبات الذات، فكثير من الناس يكتب، لأنه يشعر أن في الكتابة عكازاً يتكأ عليه لإثبات ذاته ولا يشترط في الحالة هذه أن تكون هناك قوة كامنة، إنما يكتب من يكتب ما يتيسر لديه، وقد يلجأ في كثير من الأحيان إلى الاقتباس ما يبعده عن حقول الإبداع ويبقى يرعى دونها قاصداً أن يشار له بالبنان، وحتى يقال عنه أنه يكتب، تماما كطلبة المدارس الذين يكتبون على مقاعدهم أو على الجدران.
الإدراك :
قد ينتج الإدراك عن الوعي بالمحيط، وما يحيط بهذا المحيط من نقاط القوة والتهديد، هذا الإدراك يدخل في المرء كماً من المعلومات فيخلق الرغبة في التعبير وخاصة عندما يدرك المرء ما لا يدركه الآخرون، ومن الضرورة بمكان أن يقترن الوعي بالقدرة، فيكتب الكاتب يهدف الدفاع عن المحيط أو التحذير من الأخطار أو بهدف تعزيز مكامن القوة للبناء عليها وتعظيمها. ومن لا يملك القدرة المقرونة بالإدراك قد يلجأ إلى وسائل أخرى للتعبير غير الكتابة.
الشعور بالقيادة:
مِن الكتاب من يكتب لأنه ذو شخصية قيادية، فنتيجة للشعور بالمسؤولية الأخلاقية والمسؤولية الفعلية تجاه نفر من الناس فإنه يكتب إما بهدف تقديم النصيحة أو بهدف التوجيه أو التعديل أو التحذير سعياَ لوضع الأمور في نصابها، وهؤلاء إن لم يكونوا قادة في الآداب، في المجمل تكون طريقتهم في الكتابة بشكل مباشر، وقلما يكون اهتمامهم بالنواحي الفنية الخاصة بالكتابة، بعيدا عن المحسنات اللفظية والأدبية لأنهم يهتمون بالمضمون أكثر من أي شيء آخر.
الأيمان بالمبادئ:
اصطلاحاً الايمان بالمبدأ هو أيمان بمجموعة من القواعد والنظم والضوابط الاخلاقية الضابطة لمجموعة من البشر، وأن الصح والخطأ يتحدد كل منهما بقدر اقترابه أو ابتعاده عن هذا المبدأ، فيكتب المرء صاحب المبدأ إما لنشر هذه المبادئ أو تعزيزها لدى من يؤمنون بها، وإما لجعلها تحل محل مبادئ أخرى قد لا تتفق مع ما يؤمن به.
التوثيق:
تمر بكل فرد منا يومياً أحداث أو قصص أو مشاهدات، منها المهم ومنها غير المهم، وهنا يرى البعض سواء ممن يهتمون بالأدب بأنواعه أو من غيرهم ضرورة توثيق ما يعتقدون أنه مهم، وليس بالضرورة في هذا المقام أن تكون هذه الأحداث أو القصص أو المشاهدات ناتجة عن تجربة ذاتية، فقد تكون نقل لتجربة الغير بهدف توثيقها والرجوع إليها كلما اقتضت الحاجة، وقد يكون التوثيق هنا بهدف إفادة الآخرين، سواء كانوا أفراداً أو جماعات أو مجتمعات، وليس بالضرورة أن تروق لكل من يقرأها.
الغيرة:
قد تكون الغيرة دافعاً من دوافع الكتابة، فمن الناس ممن يكتبون، يكتبون بدافع الغيرة، فقد يرى أحدهم زميله في العمل أو أحد أصدقائه ناجح في مجال الكتابة، وينال قسطاً من الاطراء ممن حوله، فتبدأ لواعج الغيرة في نفسه وتبدأ تحدثه بأن لديه من القدرات ما لدى ذاك الكاتب وأنه يستطيع أن يكون كاتباّ مثله، ويباشر فعل الكتابة، ومثل هذا قد يحتاج إلى وقت طويل للوصول إلى درجة التمكين من الأداء المقبول لدى المتلقي، لأنه لا يملك المهارة التي يملكها غيره كم الكتاب.
المغريات:
قد تتوفر المغريات المادية أو المعنوية من شخص معين أو من جهة ما بهدف الشهرة أو الدعاية أو التحفيز، مما يحفز شخصاً ما على الكتابة كدخول مسابقة أو مردود مالي يكون دافعاً لبذل جهد يصرف على الكتابة سعياً للحصول على هذا المردود، وهؤلاء في العادة تفرض عليهم الفكرة ولا يفرضونها، فالكاتب هما مستجيب وليس مبادراً وغالباً ما يكون هؤلاء كتاب موسميين، وغالباً ما يكونون محترفون لديهم القدرة على تطويع مخزونهم المعرفي بصالح الموقف.
سهولة النشر وسرعة الانتشار:
ومن العوامل المحفزة هذه الأيام، سهولة النشر وسرعة الانتشار، وتوفر أدوات النشر والانتشار السريع مثل وسائل التواصل الاجتماعي التي تكون دافعاً لمتوسطي التعليم والثقافة، وهؤلاء في العادة إما مقتبسون أو ناقلون وجمهورهم المتلقي البسيط المجامل الذي يقتنع بما رديء، فيعطي إشارة الإعجاب لما هب من الكتابات ولكل من دب من الكتاب، وقد باتت تغص بهم وسائل التواصل الاجتماعي، وهم أيضاً بلا أفكار ويكثرون من العبارات القصيرة مثل صباح الخير وجمعة مباركة وناقلي الاحاديث النبوية ليظهروا بمظهر المتدين اعتقاداً منهم أن ذلك يساهم في رفع مكانتهم في مجتمعاتهم.
التنفيس:
من الكتاب من يجد في الكتابة وسيلة للتنفيس عن نفسه، يعاني أحياناً من ضغوطات الحياة، أو يقع تحت تأثير ضغط معين، فيجد في الكتابة متنفساً يستطيع من خلاله التعبير عما يعتمل في نفسه، وهذا لا يجد دائما الجمهور الذي يستمع إليه مشافهة فيتخلص مما يكبته داخل نفسه عن طريق الكتابة، فهو يكتب ما يكبت، وليس بالضرورة أن تكون كتابة إبداعية إنما كلمات منتقاة تخدم الهدف، وتفرغ شحنات ضاغطة على النفس، والنفس ما تلبث أن تستريح بعد افراغها.
وبعد، قد يختلط الحابل بالنابل وقد يختلط الغث بالسمين، والمنتج الكتابي مستويات وذو اهتمامات متنوعة، إلا أن لكل جمهوره، فليس بالضرورة أن ينتج الجميع منتجاً أدبياً أو علمياً أو دينياً بنفس المستوى لأن الناس يختلفون في قدراتهم واهتماماتهم، وهذا ينسحب على المتلقين، فأذواقهم نسبية، واهتماماتهم متنوعة، وبالتالي كل منهم قد يجد ضالته عند كاتب ما، وهذا ينعكس على الحكم على المنتج، فما لا يعجبني قد يعجب غيري، وكثر هم الذين لا يعتمدون في الحكم على معيار جودة المنتج، فشخصية الكاتب – عمره وجنسه – مثلاً ومدى قربه أو بعده عن المتلقي قد تلعب دورا في الحكم، لكن الذي يثبت هو المبدع الحقيقي الخلاق، صاحب الفكرة والفكر والرسالة.
ولا بد في هذا المقام من التركيز على أمر مهم وهو الأمانة العلمية، فلا يجوز أبداً أن ينسب الكاتب لنفسه ما أنتجه الآخرون، فلا بد من الاشارة حين الاقتباس ووضع المقتبس بين قوسين مع الإشارة للمصدر، أو كتابة المراجع التي تم الرجوع إليها لتكون واضحة للمتلقي، إلا إذا كان النص إبداعياً، فالمبدعون خلاقون يعتمدون على قدراتهم في أغلب الاحيان.
المصدر:الدستور