وقفة مع محمد المديوني
وقفة مع محمد المديوني
تقف هذه الزاوية مع مبدع عربي في أسئلة سريعة حول انشغالاته الإبداعية وجديد إنتاجه وبعض ما يودّ مشاطرته مع متلقّيه. "اليوتوبياتُ وحدها قادِرةٌ على إعطاء الحياة معناها" يقول الباحث والمخرج المسرحي التونسي في حديثه إلى "العربي الجديد".
■ ما الذي يشغلك هذه الأيام؟
- الشواغِل كثيرة، ولعلّ أهمّها نفس ما يشغل أغلب النّاس بشكل واعٍ أو غير واع؛ وهو واقع العالم اليوم مع جائحة كورونا التي وحّدت الهموم بشكل كبير بين مختلف الشعوب. يشغلني ما تجلّى بسببها من الهشاشة: هشاشة منظومات كثيرة ظنّ الناس أنّها ناجِعة، وهشاشة الأنظمة السياسيّة والاجتماعيّة والدينيّة والعلمية التي أقامها البشر منذ أقدم العصور.
هواجس كورونا جعلتني أقرب إلى الاقتناع بأنّ الإنسان كائن طارِئ على هذا العالم وعلى الطبيعة فلا شُغْل له إلّا إفساد ما يمسّه منها. لنتذكّر في أيام الحجر الصحّي المعمّم استمرار الحياة بين الحيوانات في الجو والبرّ والبحر وعودة نموّ النباتات ويناعها. حين قلّ خطر كورونا في وقت من الأوقات، اعتقدنا بأنَّ الجميع سينتفع من الدرس، لكنّنا وجدنا - ونحن اليوم في زمن الموجة الثانية - أنَّ الساسة مستمرّون في خياراتهم، وأنَّ أصحاب المؤسّسات الماليّة الكبرى، بمختلف توجّهاتهم، مصرّون على عنْجهيّتهم العمياء في الإساءة إلى الأرض والطبيعة، وهم الطارِئون عليها.
■ ماهو آخر عمل صدر لك وما هو عملك القادم؟
- صدرت لي منذ أيام ترجمة لكتاب "عناصر من الحدث المسرحي في البلاد التونسية" (بدرة بشير) في طبعة مشتركة بين "معهد تونس للترجمة" و"دار محمد على للنشر". أمّا عن القادم من الأعمال، فأشتغل على أكثر من مشروع؛ على صعيد البحث، أنا بصدد إنهاء ثلاثة كتُب بشكل متوازٍ. الأوّل بعنوان "واقع فنّ الشِّعر لأرسطو وحقيقة ترجماته العربيّة الحديثة"، والثاني سيكون بعنوان "في الحِقد على المسرح"، والثالث بعنوان "بين صالح القرمادي وغُنتر آيش" (Günter Eich). أمّا على صعيد العمل المسرحي، فقد انطلقتُ، منذ مُدّة قصيرة في الإعداد لإخراج مسرحيّة عنوانها "موش عجب يِقدِر يصير..." كتبتُ نصّها مع صديقي نور الدين الورغي، وأتولّى الدراماتوجيا والإخراج. العمل سيكون من إنتاج "مركز الفنون الدراميّة والرُّكحيّة بجندوبة" بإدارة الأزهر فرحاني.
■ هل أنت راض عن إنتاجك ولماذا؟
- لا أظن عاقِلاً يرضى كلّ الرضا على ما أنجز لأنّه يحلم دائمًا بأن يكون ما أنجز من الأعمال أجملَ وأذكى، فتراه يودّ أن يُعيد النّظر فيه بشكل متواصل حالِمًا بإنجاز الآتي.
■ لو قُيّض لك البدء من جديد، أي مسار كنت ستختار؟
- كنتُ سأتّبع المسار نفسه، مع تعميق "السذاجة المِعطاءة" التي قادت هذا المسار، والتي تجلّت في إيماني بِقدرة البُعدَيْن الثقافي والفنّي على الرقيّ بالإنسان وفي بناء عالم أجمل يطيب العيش فيه لكل البشر والكائنات. أقول سذاجة وأنعتها بالمِعطاءة لأن دون ذلك لا تقوم اليوتوبيات التي هي وحْدها القادِرة على إعطاء الحياة معناها والإسهام في إحداث التحوّلات الضرورية للإنسانية.
■ ما هو التغيير الذي تنتظره أو تريده من العالم؟
- التغيير الذي أريده للعالم وأدعو للنضال من أجله هو قلب النّظام المالي العالمي من أساسه، وعودة القيمة الحقيقيّة للعمل، سواء منه الفكري بكلّ أبعاده وتجلّياته، أو اليدوي بما في ذلك العمل الآلي الذي هو امتداد لليدوي؛ فالخضوع إلى هذا النظام لا يسمح البتّة بأيّ تحوّل ذي معنى يُمكن أن يُحرّر البشر ويقضي على الظلم والفساد. علينا أن نتذكّر بأن الأرضَ هي الأمُّ التي علينا أن نقدّرها حَقّ قدرها.
■ شخصية من الماضي تودّ لقاءها ولم هي بالذّات؟
- ابن خلدون، لأنه يلخّص معاناة المثقّف المبدع في صلته بأهل عصره من المثقّفين ومن السياسيّين، ولأنّه استطاع أن يستوعب ما أنجزه سابِقوه واستطاع أن يضيف عليه إضافات نوعيّة ذات بال، ثم لأنّ مسار حياته الشخصيّة مسارٌ فريد اجتمع فيه النجاح والفشل والسعادة والشقاء. من منظور مسرحي، هو بطلٌ تراجيديّ.
■ صديق يخطر ببالك أو كتاب تعود إليه دائماً؟
- كتاب "المُقدّمة" لابن خلدون، وكذلك سيرته الذّاتية الموسومة بـ "التعريف بابن خلدون ورحلته غربًا وشرقًا". وبحكم ما أنا منشغلٌ فيه على صعيد البحث، فإنني أتردّد بشكل منتظم على صفحات "فن الشّعر" لأرسطو في لغاته المختلفة وترجماته المتعدّدة، كما أن مقتضيات التأليف جعلتني أعود بانتظام إلى آثار غنتر آيش الشعرية والمسرحية وإلى أعمال صالح القرمادي الشعرية والسردية.
■ ماذا تقرأ الآن؟
- إضافةً إلى ما ذكرت في الجواب عن السؤال السابق، فإني آخذ بعض الوقت، أحيانًا، لمطالعة رواية من الروايات. والرواية التي أنا بصدد مطالعتها هذه الأيام هي الترجمة الفرنسية لرواية "لم تولدوا لتبقوا وَحْدكم" للكاتب النرويجي آيفيند هوفستاد إفجيمو Eivind Hofstad Evjemo.
■ ماذا تسمع الآن وهل تقترح علينا تجربة غنائية أو موسيقية يمكننا أن نشاركك سماعها؟
- أميل إلى الاستماع إلى الموسيقى الكلاسيكية والآليّة منها بالخصوص، ولكن لا يمنعني ذلك من أن أستمع إلى بعض الأغاني الشعبيّة التونسيّة، خاصة منها ما يُسمّى بـ "الزنزانيات". بخصوص المقترح، يحضر على بالي من آخر ما استمعت إليه واقترحتُه على مستمِعي برنامج "أرخبيل المسرح" الذي أُعِدُّه وأقدّمه في "إذاعة تونس الثقافية"، وهو بعض من أعمال من لُقّب بـ "موزارت القرن التاسع عشر"، جاكوب لودفيغ فيليكس Jacob Ludvig Felix، وبعض من القطع التي أنجزتها مجموعة موسيقية تركيةّ اسمها "الثلاثي السِرّيّ" Secret Trio.
بطاقة
باحث أكاديمي وناقد ومؤلّف ومُخرج مسرحي من تونس. من أبرز مؤلفاته: "إشكاليات تأصيل المسرح العربي" (1993)، و"مسرح عز الدين مدني والتراث" (1994)، و"مغامرة الفعل المسرحيّ في تونس" (2000)، و"حلقة موؤودة في تاريخ المسرح" (2016)، و"مسالك إلى المسرح في المغرب العربي" (2017). كما صدرت له ترجمة مسرحية "ابتسامة ابن رشد" (2009) لـ بيير ديبوش، و"عناصر من الحدث المسرحي في البلاد التونسية" (2020) لبدرة بشير.
من الأعمال المسرحية التي أخرجها: "سهم كاغط أو حكاية قرية آمنة"، و"أغنية لم يلحِّنها ميكيس تيودوراكيس"، و"هوامش من دفتر النكسة" (مقتبسة من أشعار نزار قباني). أنتج برامج إذاعية حول المسرح وأشرف على سلاسل تهتمّ به أبرزها سلسلة "الرصيد المسرحي التونسي" وضمنها نشر الأعمال الكاملة لكل من: مصطفى الفارسي والتيجاني زليلة وحسن الزمرلي وتوفيق عاشور وعز الدين القرواشي وسمير العيادي، كما جمع أعمال روّاد التأليف المسرحي في تونس.
المصدر:العربي الجديد