Skip to main content
إبراهيم عقرباوي  إشراقات المودة والسلام

إبراهيم عقرباوي  إشـراقـات الـمـودة والـسـلام

 

 

في هذا اليوم أكرر ما أفعله منذ مئات الأيام...

غير اني أظل على أمل قدوم أبهى ما توقعه القلب، وظن العقل فيه خيرا وفيرا، وأصر على المؤاخاة بين رائحة القهوة الصباحية المبشرة بوشيش شواطئ النهار المسالم، وعطر الياسمين المنبيء بروعة اللحظات المخاتلة.

ما مللت إبقاء عودي صلباً، وأن أبدو مستجمعاً رباطة جأشي، مظهراً أناقة في اللباس البسيط، ولباقة ناعمة لا تخلف جراحا أو كسرا للخواطر، الا أن هشاشتي الجوانيةتضرب جدران تماسكي بمعولها العنيد محدثة انهيارات تحتاج الكثير من زنبق استنهاض الذات، وأضاميم دعم القلب، وحزم المشورة، والإعانة النفسية الفاعلة لإعادة البناء من جديد، ومواجهة ما يستجد من أفعال يخاف مرتكبوها كل شيء إلا الله جل جلاله.

لا تنس إساءات الآخرين إليك...

وكن كالورد سليم اللون بلا حقد، مخموم القلب، لا تضمر غدرا ولا تواري ثأراً، ودرب نفسك الشجاعة على الاحسان الى من هتكوا أستار العشرة المديدة، وكادوا لك كيدا مشيناً، وفتكوا بغزالات الأوقات الماتعة.

تحت شجري الأخضر استظل أحبة ذهبوا وما عادوا، وعن بالي تلاشت دقات الأكف التي كانت حانية، وتفرق عني رفاق، وحام حول أصدقاء شبهة غدر مباغت في لحظة خلوة صادقة مع شياطين أنفسهم الماكرة.

لقد ضجرت من وقت بارد كالتعاسة لا يشتعل فيه فتيل الحب، ولا تدار على جنباته كؤوس جمر الوصال، وقرنفل البوح، ورائحة القهوة التركية شقراء الضفيرة حمراء الخد. شقيت لغيابهم أولئك القوم الذين لا يشقى بهم جليسهم، وشق علي غياب تينك العينين اللتين فيهما يغرق شجني وتطل الأفراح بوجوهها الملاح...

لا لذائذ وجودية يهتز لها الوجد طرباً، ولا حبيبة أرفع لها قبعة محاسن الاقحوان اعجاباً وتقديراً لعصافير صبرها على الشدو في لفحات هجير تقلبات أيامنا الشريدة.

امتيازي الوحيد انني ما زلت وفيا لكل اولئك الذين هجروني بمنتهى قوة قلوبهم التي لم يرف جفنها لندى دمعة على خد ورقة ياسمين في أول اطلالات الصباح.

ما أظنه انني لست طرفة بن العبد أسجي جسدي تحت ظلال اللظى يائساً مخموراً جارحاً قدمي جرحا بليغاً لأنزف حتى الموت. لا أطلب ملكاً سليباً كامريء القيس وأقتل في سبيله حتف أنفي. لا أتمتع بغلظة جندي انكشاري رعاه العهد العباسي البائس.ولا مكر كبير البرامكة الذي ساقة مكره الى قلب التراجيديا القاتمة.

لم أكن فتى الفتيان في حلب...ولا حزت المعالي...ولا سعيت في الارض مصفقاً لكل عتل طاغ مستكبر... أنا ابن اللحظة، أهدي المودة لمن به ميل إليها، وأشيع الألفة كي يسند الحب قوام النهار، ويمنح الليل لحن القبول، فيصبر الناس على لأواء الحياة.

******

لكم كنت تحب القهوة صديقي...

تلك التي تحترف مراودتك عن نفسها مرة تلو مرة دونما سأم...

لكم ضمنا مقهى الفاروقي في الشتاءات المرعدة ولياليه الناعسة حيث مربضه على أطراف «الشميساني». ظللنا مأسورين لأضوائه الخافتة ولون جدرانه، ومقاعده الحمراء الداكنة التي تستدعي حكايات العشاق، والشعراء الرومانسيين أمثالنا.

وحين توضع القهوة أمامنا برفقة البسكويت المحلى ألحظ ابتهاجك برائحتها ورغوتها الشقراء، وبخارها المتصاعد، ورنين نشوتك بعد الرشفة الأولى.

أتذكرك وأنا أجلس منفردا في ذات المقهى بعد انصرام عشر من السنوات على القطيعة التي نشبت بيننا... أتذكرك فيما أغالب لظى دمعه تترقرق على ما مضى من صداقة مفعمة بالنبل والإيثار والتساوق والمحبة الصادقة.

لقد اقترفت بحقي خطأ كبيرا، ربما أغفره، بيد أن اصلاح ما تكسر من كؤوس ثقة لا سبيل إليه، وربما أنت تنحي باللائمة على سوء تقديري للموقف الذي اقتلع شجرة صداقتنا الغابرة.. وما زالت اتساءل وحيداً بلا رفيق يشاركني قهوة المودة المشتهاة:

لماذا فعلتها؟

 

 

 

المصدر:اليوم السابع 

11 Oct, 2020 12:00:16 PM
0

لمشاركة الخبر