أول جمعية ل "أم العلوم" في السعودية ترى النور
أول جمعية لـ "أم العلوم" في السعودية ترى النور
إيمانا بمقولة "أنا أفكر.. إذاً أنا موجود".. استبق مثقفون سعوديون اليوم العالمي للفلسفة، بتأسيس أول جمعية فكرية سعودية تعنى بالفلسفة، تأكيدا للحاجة إلى هذا المجال الإنساني في البلاد، الذي يصل بصاحبه إلى معنى الحياة، وذروة الحكمة.
فقد نجح 16 مثقفا ومثقفة في تأسيس الجمعية الفلسفية الأولى في التاريخ السعودي، بعد أن نالت تصريحا من وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية، ودعم ومباركة وزارة الثقافة، إيمانا بأهدافها، التي تشمل تحفيز المهتمين بالشأن الفلسفي إلى المشاركة المجتمعية، وتوفير بيئة لاحتواء المواهب الفلسفية والثقافية.
احترام التنوع
في عام 2005، اعتمدت منظمة اليونيسكو يوم الخميس الثالث من شهر نوفمبر يوما عالميا للفلسفة، تحتفي به بهدف تعزيز الثقافة الدولية بشأن النقاش الفلسفي، مع الاحترام للتنوع ولكرامة الإنسان.
فالفلسفة من وجهة نظر المنظمة هي وسيلة لتحرير القدرات الإبداعية الكامنة لدى البشرية من خلال إبراز أفكار جديدة، وتنشئ الفلسفة الظروف الفكرية، لتحقيق التغيير والتنمية المستدامة وإحلال السلام، وتهدف من خلال يومها الدولي الخاص إلى تجديد الالتزام الوطني والعالمي بدعم الفلسفة، وتشجيع التحليلات والبحوث والدراسات الفلسفية لأهم القضايا المعاصرة، وتوعية الرأي العام بأهمية استخدام الفلسفة لمعالجة الخيارات التي تطرحها آثار العولمة ودخول عصر الحداثة على عديد من المجتمعات، كما تهدف إلى التركيز على عدم تكافؤ فرص الانتفاع بتعليم الفلسفة في العالم، والتأكيد على أهمية تعميم تعليم الفلسفة في صفوف الأجيال القادمة.
وتعد الفلسفة، أو "أم العلوم" كما تسمى، أكثر الميادين إثارة للجدل في التاريخ الإنساني، إذ يخبرنا التاريخ بنبذ فلاسفة ومفكرين في بعض الثقافات، وحتى مقتلهم، رغم أنها نتيجة حتمية، يبدأ الإنسان التفكير بها - وإن كان ذلك بغير قصد فلسفي - في سن مبكرة من عمره، ففي كتاب "ماذا يعني هذا كله"، لمؤلفه توماس نيجل، يذكر بأن قدراتنا التحليلية تتطور عادة بشكل عال قبل أن نتعلم أشياء كثيرة عن العالم، وفي سن الـ14 تقريبا يبدأ كثير من الناس في التفكير وحدهم في المشكلات الفلسفية، حول ما الذي يوجد حقا في هذا العالم، وهل بالإمكان معرفة أي شيء، وهل هناك حقا ما هو صواب أو خطأ، وهل للحياة أي معنى، وهل الموت هو نهاية كل شيء؟ وهي مشكلات يقول نيجل "إنها بدئت الكتابة عنها قبل آلاف الأعوام، لكن المواد الفلسفية الخام تأتي إلى العقول مباشرة من العالم وعلاقتنا به، وليس من كتابات السابقين، لهذا تظهر هذه المشكلات مرارا وتكرارا في عقول الناس الذين لم يقرأوا شيئا عنها".
نتيجة الحراك الفلسفي
زف الدكتور عبدالله المطيري رئيس مجلس إدارة جمعية الفلسفة خبر التأسيس عبر منصات التواصل الاجتماعي، وقال عن فكرة الجمعية، وهي أهلية غير ربحية، "إنها نتيجة طبيعية للحراك الفلسفي السعودي في الأعوام الماضية، وآن الأوان لأن تصبح له مؤسسة مستقلة خاصة بالنشاط الفلسفي، وكانت الفكرة مع صدور نظام الجمعيات الأهلية الذي جعل من إنشاء الجمعيات أمرا سهلا وممكنا".
وقال أستاذ فلسفة التربية في جامعة الملك سعود والعضو المؤسس في حلقة الرياض الفلسفية، في لقاء تلفزيوني عقب إعلانه التأسيس "إن الجمعية فرصة للقاء بين أصحاب الاهتمامات المتشابهة، وستكون هناك محاضرات وندوات وورش عمل ودورات تدريبية، بهدف تطور وازدهار النشاط الفلسفي في المملكة، وأن يخدم السعوديون مجتمعهم في هذا الجانب المعرفي، وتقديم صورة حقيقية عن المجتمع السعودي بما فيه من تنوع وتعددية".
فيما قال الباحث والكاتب السعودي شايع الوقيان في تغريدة له عبر "تويتر"، "خبر مبهج لكل المهتمين بالفلسفة خصوصا داخل السعودية.. ولن تكون السعودية بعد اليوم مجرد سوق لاستهلاك الكتب والأفكار الآتية من الخارج العربي أو الأجنبي، بل ستكون منطلقا لإنتاج الأفكار، وستكون الأولوية دائما للمبدعين والمبدعات السعوديين.. الطريق طويل لكننا بدأنا نسير".
وتضم الجمعية مجموعة من المؤسسين، إضافة إلى الدكتور المطيري، وهم: شایع الوقیان، حمد الراشد، یزید بدر، الدكتور علي النھابي، الدكتور شتیوي الغیثي، عید الجھني، عماد عباس، سارة الرشیدان، سالم الثنیان، دالية تونسي، غادة غوث، عبدالله الھمیلي، طریف السلیطي، الدكتور ھادي الصمداني، والدكتورة رانیة العرضاوي، فيما اشترطت الجمعية على الأعضاء الراغبين في الانتساب إليها الاهتمام بالفلسفة وإمكانية الدخول في حوارات فلسفية مع الأعضاء، إضافة إلى شروط العضوية التي يفرضها نظام الجمعيات الأهلية.
وكانت وزارة التعليم أعلنت العام الماضي خطتها لإدخال الفلسفة إلى المقررات الدراسية، واعتمدت مقررات فلسفية في التعليم العام والجامعي، لتنمية قيم حرية التفكير والتسامح وعدم التعصب الفكري لدى الطلاب والطالبات، ومساعدتهم على ممارسة مهارات التفكير الناقد والفلسفي في المواقف الحياتية المختلفة.
تعزيز المعرفة المفيدة
وجدت الجمعية الجديدة مباركات وتهنئة من كل حدب وصوب، رغم الانتقادات التي طالت قرار وزارة التعليم في وقت سابق قبيل إدخال الفلسفة إلى المناهج الدراسية، خشية تأثيرها في الدين، بحسب ما يرى بعض المنتقدين، والذين لا يجدون الفلسفة جهدا عقليا قد تعلي من قيم الإيمان في بعض الأحيان، وتقود إلى الإسلام، مثلما حدث مع ماسيمو كامبانيني المفكر الإيطالي والفيلسوف العالمي.
كامبانيني، الراحل في أكتوبر الماضي عن عمر يناهز 67 عاما، توفي بعد أن قضى حياته جامعا بين البحث العلمي الفلسفي والترجمة، درس الإنتاج الفلسفي الأوروبي والعالمي بعد تأثره بالفكر الإسلامي، وكانت رحلته إلى مصر ودراسته للفرعونية بداية احتكاك وإعجاب بالثقافة الإسلامية، فتعلم العربية، وكرس حياته لتقريب الفكر الإسلامي من الإيطاليين خاصة في الأوساط الأكاديمية، مخلفا عشرات من الكتب عن الفكر والتاريخ الإسلامي، كما قام بترجمة عديد من كتب الفلسفة الإسلامية إلى الإيطالية خاصة كتب الإمام الغزالي، وابن رشد والفارابي.
خطوة تأسيس الجمعية وإن كانت متأخرة، وجدها مثقفون ومتخصصون مهمة، تشابه دور الجمعيات المشابهة في دول العالم، فالجمعية الأمريكية للفلسفة على سبيل المثال، التي تعد أقدم مجتمع متعلم في الولايات المتحدة، تدعم البحث والاكتشاف، وتكرم كبار العلماء، ودأبت منذ تأسيسها في عام 1743 من قبل بنجامين فرانكلين على تقديم المنح الدراسية، والمعارض، والجوائز، بهدف "تعزيز المعرفة المفيدة".
وفي الدول العربية تأسست جمعيات فكرية فلسفية عدة خلال الأعوام القليلة الماضية، بعد أن كانت بيئة طاردة للفلسفة، وبرزت جمعيات في مصر، لبنان، الأردن، اليمن، وغيرها بأعمال فكرية وأنشطة معرفية، تمكنت فيها من إعادة الاعتبار إلى الفكر الفلسفي، ونشرت ثقافة التنوير والتفكير الخلاق، بعد قطيعة طويلة عن الخوض فيها.
المصدر: جريدة العرب الأقتصادية الدولية