Skip to main content
نايف عبد الله الهريس تأملات نقدية في ديوان سابر الخضم

نايف عبد الله الهريس تأملات نقدية في ديوان سابر الخضم

 

 

صدر حديثا ديوان شعر جديد سائر الخضم للشاعر نايف عبد الله الهريس يقع الديوان في 560 صفحة من الحجم الكبير يوزع على أكثر من 120 قصيدة نظمت على البحور الشعر العربي الخليلي وحظي بحر البيسان بنصيب وافر من الديوان وهو البحر الذي ابتكره الشاعر بعد قراءة فاحصة ومتأنية للشعر العربي وكان مثار إعجاب وتقدير عند النقاد والدارسين للأدب والشعر.
تترواح مضامين الديوان حول الهم العام العربي بما يمور من أحداث وقضايا مصيرية وإنسانية وفنون الشعر الأخرى من غزل ومديح ووصف هجاء ومساجلات ومعارضات ومدائح نبوية شريفة والاعتزاز باللغة العربية وفرسانها وفلسطين حاضرة في الديوان وذاكرة الشاعر وكذلك الجزائر ومصر والأردن والعراق والإمارات والأخيرة نسج فيها من اللآلئ عقد الجمان وفي حاكمها ورموزها وقاماتها الكبيرة أروع القصائد وأجمل البيان في نغم صوتي باهر ولغة رصينة ونسق جمالي مدهش وبلاغة فذة وبيان أخاذ.
وهذا الديوان هو السابع للشاعر يكشف عن عمق تجربته الثرية والغنية في مضامينها وتشكيلاتها اللغويّة ومحفزاتها الجمالية وعمق في المعاني والمباني فهو يمتح من معين لا ينضب من بحر جمال العربية لغة التنزيل والتأويل والإعجاز والبهاء والجمال لا نستطيع في هذه العجالة أن نقف عند كل خاطرة ودلالاتها المتعددة وعتباتها النصية وإشراقتها الأسلوبية وبوحها المتدفق وجمال لغتها وإنما نعطي الصور العامة أو الكلية لهذه الخواطر.
شعر الهريس مشبع بالقيم الإنسانية السامية العالية والأخلاق والفضائل الأصيلة وتشكيل الاستعارات البيانية البديعة. ويذكرني بالموضوع مقولة الناقد العربي الكبير عبد القاهر الجرجاني. باب كثير الفوائد جم المحاسن واسع التصرف بعيد الغاية لا يزال يفتر لك بديعه ويفضي بك إلى لطيفة ولا تزال ترى شعرا يروقك مسمعه ويلطف لديك موقعة ثم تنظر فتجد سبب أن راقك ولطف عندك أن أقدم فيه شيء وحول اللفظ عن مكان إلى مكان.
في شعره تشكيلات فنية مدهشة وإيقاعات موسيقية خلابة تأتي كلماته وألفاظه منسجمة من هواتفه النفسية، صاحب صناعة خفية وعلى قدر من الإحكام والضبط لا يستطيع أن ينسجها ويجيدها إلا أصحاب المواهب والقدرات العالية يستخدم الكلمات المهجورة ويشحنها ويحررها من معجمها اللغوي وينقلها إلى وهج الشعر ولظى النار المشتعلة وألق الجمال فتأتي الجملة الشعرية نابضة بالحركة والحرارة والنبض المتدفق (جوانية) وتخرج بنسق شعري مذهل أخّاذ يمازج بين المعاني والأفكار والموسيقى الداخلية والخارجية بسلاسة دون تكلف أو قصد يذكرنا في زهو القصيد العربية في زمنها الزاهر في بنائها وبهائها واكتمال حضورها وأبعاد فضائها وآفاقها الرحبة.
تجربته الشعرية منفتحة ومتعددة مسكون بنار الوجد والوجدان ولهيب الإبداع ومواقد في تعبير دلالات المحبب إلى القلب والنفس وسلاسة وإيحاءات ذات أبعاد جمالية وانسيابية واستبطان داخلي جواني يدعوك إلى القراءة والتأمل والمحاورة بتحمل ثراء معرفي عميق ولغة باذخة وإيقاعات متموجة منسابة وتنوعات سيمفونية وتأملات كونية ودفقات عاطفية عميقة ساخنة برؤية جديدة فتأتي رنين الألفاظ منسجمة متدفقة مع زخم الأفكار وترسيم الشكل وحجم المعاناة الكبيرة بنسق تصويري وبصري في غاية الإتقان والجمال.
إن في شعره صور فنية تتجاوز مئات القصائد العربية تغذي الروح والذهن والقلب بهالة من السحر والإحساس والروعة والرؤى بهندسة معجونة بالفن والدهشة والتعابير المرهفة والتوازن الدقيق والتنسيق بمصداقية.
الشاعر نايف الهريس يكتب كل حرائقه الشعرية من داخل النص وهو نص داخلة نص آخر وهذا ما أشار إليه الناقد (رجاء عيد) في كتابة (القول الشعري) إن ما يتشكل من دلالات تترافق وتتضامن في فاعلية السياق وجدلية الاتساق حيث تحرص جميعها على اكتشاف النص القابع داخل النص?
يتميز الشاعر في توظيف التناص من القران الكريم والحديث النبوي الشريف والتراث العربي واستدعاء الشخصيات التاريخية بفهم عميق إلى التراث العربي ومدلولات أبعاد سلطة النص الغائب على النص الحاضر أن لا يلغي الغائب سلطة النص الحاضر بل يشحنه بإشراقات فنية وترميزات بالغة في الجمال.
إن هذا الديوان يكشف عن تجربة الشاعر نايف الهريس الشعرية الخصبة والعميقة وروافده العديدة والمتنوعة ولغته الرصينة الباهرة وتشكلاتها الفنية المدهشة ونسقه النصي والتمازج بين المكون الفني والحالة الشعرية والشعورية بمهارة وتفنن بث قدرات عالية من الفهم والذكاء.
ضمن مشروع الشاعر الكبير الذي يعيد للشعر العربي بعض من بنائه وبهائه وحضوره في المحافل الأدبية والملتقيات الإبداعية العربية والعالمية إنها رسالة المبدع الحقيقي الكبير الذي يرعى الإبداع ويعشق العربية ويضيء شموع الأدب في القلب والمكان.

 

 

 

المصدر:الدستور 

12 Dec, 2020 09:43:04 AM
0

لمشاركة الخبر