Skip to main content
ديما الرجبي ضجيج الفراق .. تناقضات عاطفية

 ديما الرجبي ضجيج الفراق .. تناقضات عاطفية

 



(كاتب أردني)

تكتب الروائية ديما الرجبي في روايتها «ضجيج الفراق» (دار ورد للنشر والتوزيع)، عن بركان من الأحاسيس المتّقدة بين ضلوع البطلة مريم وهي تواجه قدرها بمزيد من المغامرة والشجاعة والثبات؛ فنحن أمام رواية تتحدّثُ عن ذلك الحبّ الذي اشتعلت نيرانه في قلب فتاة عربية مُحاصرة بين غربة الجسد والمكان والروح وغربة الرّجل العربي وتناقضاته العاطفية والاجتماعية.

«اسمي مريم» هكذا تتحدّثُ البطلة عن نفسها واصفة مشاعرها المتناقضة تجاه ما يحمله اسمها من دلالات ورموز تاريخية ودينية ولكنّها تعبّرُ أيضا عما يعتمل في صدرها من تناقضات عاطفية مُتحركة في مواجهة القوالب والمحددات الاجتماعية في تعبير مباشر عن رفض ظاهرة التنميط الاجتماعي التي تبدأ بعملية إطلاق الأسماء ذات الدلالات المحددة: «قد أكون هدى أو ميرفت أو حتى أم صبحي لكن مؤكدا لست مريم» (ص13).

تصف مريم ما تعانيه من سلوك اجتماعي يحيطها بقيود كثيرة فحينما يواجهها السؤال الصعب حول وضعها الاجتماعي تعجز عن الإجابة فهي من (فصيلة المطلقات) لقد حصلت على هذا اللقب بعد تجربة زواج سريع فشل في تحقيق أهدافها أو اقناعها أنها وصلت لمرحلة الاستقرار الاجتماعي. وهنا تظهر بشكل واضح شخصية البطلة مريم من خلال تطلّعها الدائم لحياة مليئة بالمغامرة والتغيير ورفضها للرّكود والبساطة، فهي لا تقبلُ بحياة تقليدية تقوم على زواج يخضع للمقاييس العادية والتقليدية، انها تبحث عن حب مُختلف حب لا يخضع لمعايير تحكمها التقاليد والأعراف التي ترى في الزواج غاية العلاقة وهدفها الأخير ولذلك تبحث مريم عن شـخصية مُختلفة، شخصية مصنوعة من المشاعر المتدفقة والأحاسيس المرهفة، وهنا يظهرُ البطل العاشق يزن من خلال أشعاره التي تحتلّ مساحة مميزة من عتبات الرواية.

إن ظهور هذا العاشق المختلف قد أحدث تغييرا يشبه الزلزال الكبير في قلب وعقل البطلة مريم: «اخترق يزن عالمي وأصبح يُشكّل مزاجي كما كان يقول لي: أنت تشكلين مزاجي. كيف؟ إذا شعرت بفرحك غمرتني سعادتك وإذا انتابك احباط يتهاوى عالمي، أنت ترسمين هذه التفاصيل دون أن تعلمي. فأصبحت أستمد منه بداية اليوم» (ص50).

"ضجيج الفراق» رواية عابقة بالتحدي والحبّ ومواجهة المصير الحتمي لفتاة تعاني من آثار تجربتها العاطفية السـابقة وتعاني مرة أخرى من جرح جديد بعد أن يتركها يزن وحيدة ويمضي بعيدا: «يزن لا يهاتفني، رحل إلى اليمن ليرتب أمور زواجه، يزن يبتعد كثيرا» (ص103). وأمام هذا التناقض الغريب تترك الكاتبة للأقدار دورا في تحديد نهاية هذه الحكاية بين العاشقين عبر تصوير معاناة مريم والتي يمكن ان نلمسها من خلال كلماتها لصديقتها صفاء وهي تصف بعض معاناتها: «لا أريد يا صفاء، لا أستطيع أن أنهي يزن هكذا أتجاوزه، ليس بمقدوري أن أهمش هذا العمر الذي بيننا، لا أملك ممحاة تقدر على صنع ذلك، فهو اليزن الذي ما زلت أستظلّ بأمانه، وأعلم بأني لو احتجته سأجده هارعا مُلبيا لي، ليته لبّى ندائي بأن يبقى، لقد أقسم لي ألا يغادرني وتعاهدنا ألا يفرقنا حتى الموت» (ص148).

تنتهي رواية «الحب المجنون» وقد أدركت مريم أنها يجب أن تبتعد عن المثالية في تناول العلاقات العاطفية فها هي تحمل حقائبها وتغادر مطار اسطنبول وقد تركت ورائها ضجيح الحب الجنوني الغريب: «تحملت تبعات عنادي وجموحي، وشعرت بقساوة قلبي عندما اخترت أن ابتعد عن كنف من احبوني دون شروط ولا عقود، لم تكن النهاية كما تليق بي، لم اتخيل نهاية هاربة كهذه، خائنة كاذبة كالتي حظيت بها معه، وها هو يمضي عقدا أبديا، وانا تمنحني الحياة فرصة ثانية لن أرتدي قناعا أمام أحد سأبقى كما تعلمت أن أكون معه» (ص167).

في روايتها الجديدة تكتب الرجبي بأسلوب مميز تسير فيه منذ تجربتها الروائية الأولى، حيث تعتمد في سردها المختزل على تحريك مشاعر القارئ والولوج به في عالم النص من خلال تصوير ورسم العواطف والأحاسيس بالحروف والكلمات التي تضجّ بالمعاني والأفكار والقصائد والموسيقى، مما يُشعر القارئ أنه أصبح جزءا من هذا الطوفان الكبير من المشاعر والتناقضات العاطفية ذات الآثار الصادمة.

 

 

 

 

المصدر: الرأي 

14 Dec, 2020 11:27:44 AM
0

لمشاركة الخبر