Skip to main content
معركة الكرامة أصداء تتجدد في الشعر الأردني المعاصر

معركة الكرامة أصداء تتجدد في الشعر الأردني المعاصر

 

لم يكن يوم الحادي والعشرين من آذار عام ألفٍ وتسعمائة وثمانية وستين يومًا عاديًّا في تاريخ الأردن الحديث، بل محطة مهمة من محطات البطولة والفداء، وبوابة نصر خالد، بعدما حقق الجيش الأردني نصرًا مؤزرًا على الإسرائيليين.

لقد انعكس هذا الحدث التاريخي على الشعر، ولا عجب في ذلك، إذ ارتفع صوت الشعر الأردني قويّاً في معركة الكرامة الخالدة، فيكتب الشعراء قصائد مستمدة من عظمة الحدث، ورسوخه في الوجدان، يمجدون البطولة، ويعلون من شأن الشهادة، ممّا أسهم في تنشيط الحركة الشعريّة، وإمدادها بموضوعات جديدة، كما عند الشعراء : خالد محادين، وحيدر محمود، وحبيب الزيودي، ويوسف العظم وقاسم أبو عين، وغيرهم من الشعراء الأردنيين.

وقد نظم في الكرامة شعراء أردنيين ينتمون إلى فترة الإمارة مثل : حسني فريز، وعبدالمنعم الرفاعي، وإبراهيم المبيضين. فقد منحت معركة الكرامة الشعر الأردني ميزة الأدب المقاوم الملتزم بقضايا الأمة، وهمومها، وأخرجته من دائرة اليأس، والانطواء على الذات إلى فضاء الحرية، والشهادة الخصب، وذلك ببروز صورة الشهيد في معظم نتاج الشعراء، وتجاوزها مرارة الواقع إلى استشراف المستقبل.

يقول خالد محادين في قصيدته (آذار والميلاد الموعود):

وولدنا يا صديقي

كان في آذار ميلادي وميلادك

وميلاد العواصف

وعلى أرض الكرامة

أتت النار على القات على ليل السآمة

وسكبنا كلّ ما في الدار من حبر ومن فيض محابر

وصلبنا ألف شاعر

وتعلمنا وكنا قبل آذار صغارا

وأذلاء وعارا

وكبرنا مثلما تكبر في الدم الجراح

إذ يكشف الشاعر عن قصص البطولة والفداء التي خاضها أبطال الكرامة في معركة الدفاع عن الوطن، مما جعلها راسخة في الوجدان، وشاهدًا على التجذّر بتراب الوطن؛ لتبقى حكاية ترويها الأجيال ولتخطّ في ذاكرة العروبة معاني التضحية والفداء.

ويرسم الشعر صورة مضيئة لشهيد الكرامة، تنبض برؤى الخلود، والحياة الهانئة ممّا جعلها أكثر انبعاثًا، واتّحادًا بتجليّات المكان، تحمل طابعًا أسطوريًّا يتّسم بالخصب والتجدد، وهذا ما نجده في شعر حيدر محمود، حيث يعبر عن هذا الحسّ الانبعاثي، ومعاني الشهادة المتجددة، فيصور بطولات شهداء الكرامة الخالدة، حيث يقول:

.. ولأن الدّم لا يصبح ماء

.. ولأن الشهداء

لا يموتون..

طلعنا من عروق الشجر المحترق

وطلعنا من ثنايا الأفق

مرة أخرى طلعنا..

من جنان الخُلدِ، جئناهم مواكبْ

لذلك فإن صورة الشهيد في الشعر الأردني تحمل تشكيلاً لونيّاً ينفرد عمّا هو مألوف في رثاء الأشخاص العاديين، فهي بمنزلة لوحة فنيّة تنتمي إلى تراب الوطن، يمثل الشهيد فيها الفعل الإنساني، والمكاني منسوجًا بروابط الحبّ، والانتماء، ممّا جعل روحه قنديلاً يُشعل جذوة الإبداع الشعري، ويضيء طريق الأمة نحو التحرر.

لقد استحق جيش الكرامة تحية الشعراء، وإجلال المواطنيين، وإعجاب القيادة، بعدما حقق نصرًا واضحًا على عدو متغطرس، ممّا جعل عبدالمنعم الرفاعي يوجه دعوة صريحة لهذا الجيش المصطفوي؛ ليواصل معركة التحرير والفداء، حيث يقول في قصيدته( تحية الجيش):

أُّيُها الجيشُ يا هوى الأملِ الظامي

متى تُرجِعُ الحِمَى المفقودا

ونرى بَنْدَكَ المركّز في السّاحِ

ونختالُ يومَكَ المشهودا

وتطوفُ الجحافلُ الغُّرُّ بالأقصى

تُحييه رُكَّعًا وسُجودا

وتفوحُ الزهورُ بالأرجِ

وقد عَطَّر الشهيدُ الشهيدا

أنتَ أنتَ العُلى حَدَتّه الأماني

فازدهى حَولَ جيدها معقودا

لقد أغنت معركة الكرامة الجانب العاطفي الانفعالي عند الشعراء، لذلك اتّسمت لغة الشعر بالعنفوان والخطابية أحيانًا لدعوتها إلى المقاومة والفداء، كما في قصيدة ( يوم الكرامة) لسليمان المشيني:

يوم الكرامة لن ننساه ما طلعت

شمس ولاح ضياء الفجر عن كثب

حي الاباة سموا بأسًا وتضحية

جند النشامى وحيي معظم الرتب

مَنْ مثلهم يصنع الجلى بروحهم

إن ساروا للروع بالفولاذ واليلب

شادوا من البذل طودًا شامخًا وذرى

يعلو سمو علاها شامخ اللهب

كذلك أثرت معركة الكرامة المعجم الشعري بمفردات البطولة وأدبيات الحرب، والمعركة، حيث بعثت الروح منجديد في الشعر الأردني، وحفّزت الشعراء على نظم الشعر، والتغني بفعل البطولة، فكانت صورة الوطن أشد سطوعًا في القصائد الشعريّة، حيث ظهر توظيف الموروث الديني، والتاريخي والشعبي في شعر الكرامة، يقول حبيب الزيودي:

هذه الكرامة، مَن يفل حسامها

فاقرأ على حمر السيوف سلامها

الحافظين عهودها ما أخفلوا

عهدا لها والشاربين حمامها

والطالعين على الظلام كواكبا

زاهرًا، تبدد بالوفاء ظلامها

عطشت روابيها فكان نجيعهم

لما انتخت بالهاشمي، غمامها

لقد تركت معركة الكرامة صدى واضحًا في الشعر الأردني، وأثرت وجدان الشعراء بالصور والأبنية اللغوية، وأمدت الشعراء بطاقة إبداعية متجددة تجاوزت حدود الزمان، والمكان؛ لنجد أنفسنا أمام شعر خالد ينحاز للوطن، وفعل الشهادة، والبطولة.

 

 

 

المصدر: الدستور

22 Mar, 2021 10:10:19 AM
0

لمشاركة الخبر