دور النشر اللبنانية تجتذب المؤلفين السعوديين بسبب قدراتها التسويقية والتوزيعية وطريقة إخراج الكتاب
هجرة المبدع السعودي لدور النشر العربية عامة و«اللبنانية» خاصة تثير علامة استفهام تبحث عن إجابة.
حملنا السؤال إلى دور نشر سعودية ولبنانية لمعرفة الأسباب. والبداية بدار الساقي والتي يعتقد مسؤول التوزيع فيها علي برق ان تجربة لبنان التعددية أول المحفزات للنشر، ويقول «إن لبنان بتنوعاته الثقافية يشكل أرضية صلبة لقبول الاختلافات الفكرية، بجانب ذلك لا يوجد تقنين لدينا إلا عندما يتعدى «الكاتب المؤلف» تعدياً سافراً على الآخرين بعدم احترام مقدساتهم وهذا معترض عليه حتى في لبنان»، ويضيف برق: «المسوغ الآخر هو الفكر السياسي الذي قد لا يعجب الحكومات وبالتالي يعرف المؤلف مسبقاً بأنه لن ينجح إلا من خلال أرضية محايدة».
وعن إمكانية تأثير المنع على أرقام التوزيع اذا كان يتوقع ان يمنع الكتاب. ينفي برق هذا الاحتمال قائلاً: «أكثر كتابنا كبار ومرغوبون في السعودية وغيرها. والمنع لا يقتصر عليها فقط بل يتعداها لبعض الدول العربية، وبالرغم من منع بعض إنتاج الكتاب والمؤلفين من الدخول لأوطانهم إلا أننا نحاول مع وزارات الثقافة في الدول التي تمنع إصداراتهم، ونتمنى أن يكون الانفتاح اكبر لكون نسبة إقبال المؤلف السعودي على النشر لدينا تفوق 20 في المائة من إجمالي الناشرين».
وفيما يتعلق بتخوف دور النشر اللبنانية من المبدع المستجد على عالم النشر واتهام البعض لها بتكريس الربحية ينفي برق ذلك منوهاً الى أن دار الساقي تحرص وتهتم بنوعية وجودة الورق وان أكثر كتب الساقي تحصل على جوائز وتفرق بين المؤلف القديم والجديد منهياً مداخلته معنا بقوله «كنا وما زلنا نهتم بكل التفاصيل ونرحب بكل عمل جيد».
من جانبه، يرفض مدير دار اللواء عبد العزيز التويجري والذي عاش 3 عقود من الزمن في عالم النشر والتسويق للكتب، أن تكون حرية التعبير مبررا للنشر خارج الوطن، ويقول «أعتقد واجزم بأن المبررات للهجرة ليست حرية التعبير بل على العكس كل من لديه رسالة وفكرة قوية مرحب به للنشر في دياره ومن يبحث عن تسويق أفكار غير مقبولة لن تقبله الدور السعودية لأنه ليس من مصلحتها أن تساهم في انتشار ما قد يرفضه المجتمع»، ويضيف «أن المؤلف السعودي يفضل الخروج لمهرجانات الكتاب بإصداراته التي يعلم بأن قراءها يسافرون لاقتنائها بالإضافة لإضفاء لمسة من الغموض كوسيلة للجذب، وبذلك تكون القاعدة الجماهيرية القارئة والتي تبحث عن الممنوع من المبررات للنشر في الخارج. إلى جانب ذلك نظام العرض والطلب الذي يخضع للقوة الشرائية في السوق والذي غالباً ما يفتقر للجانب الإعلاني والتسويقي الجيد. وبالتأكيد ضعف الإقبال على القراءة يعد من أقوى الأسباب». مدير دار بيسان للنشر والتوزيع والإعلام عيسى أحوش يعزو الإقبال على الناشر اللبناني إلى عاملين أولهما أن المثقف السعودي والقارئ أصبحت زيارة لبنان لديهما شبه دائمة. وثانيهما أن الناشر اللبناني يٌخرج الكتاب بطريقة متخصصة علمية أكثر من أي بلد عربي آخر وعنده القدرة على التوزيع بشكل اكبر من الناشرين العرب الآخرين بمعنى انه يصدر الكتاب في بيروت ثم ينتشر في العالم اجمع ويتأخر في الدخول للدول العربية فقط بسبب التشدد الرقابي. كذلك دور النشر السعودية قد تساهم في تسويق الكتاب في السوق السعودي فقط لكن في لبنان التي تعتبر مزارا سياحيا وثقافيا له خصوصية عريقة في مجال النشر يستطيع أن يتخطى ذلك إلى العالم العربي ويحقق الانتشار السريع وبالتالي سيفضل المؤلف أن تنتشر مؤلفاته عربياً بدل المحدودية في التوزيع، ويضيف: «إن تقصير وزارات الثقافة العربية أثر على سوق المطبوعات حيث الترغيب في نشر ثقافة الكتاب والعناية بالإنتاج الإبداعي ليس على قائمة الاهتمامات ما يساهم بالتالي في التقليل من الرغبة في النشر لدى المبدعين». وعن المبيعات الأكثر رواجاً في سوق الإصدارات يقول أحوش انها الرواية إذا كانت تحمل قيمة أدبية عالية على أنها هي الأكثر مبيعاً وتبقى مستقرة تقريباً فيما لو حالفها النجاح في بداياتها، لكن تبقى الإصدارات الفكرية والتي تحمل الطابع الفكري السياسي متباينة وليس لها ثبات حيث تتأرجح بين الربح والخسارة. ويبدي أحوش رؤيته الانطباعية عن جيل من الشباب السعودي القارئ بشكل جيد موضحاً: «كان المتذوق لعالم الكتب الممنوعة يبحث عن الممنوع فقط وأصبح الآن يبحث عن الممنوع المفيد، وهذا تطور ثقافي يقفز على القصور الرقابي الذي يترك المواطن العربي يشاهد الغث والسمين على القنوات الفضائية ويمنعه من قراءة رواية تساهم في إثراء ذائقته وتثقيفه، بينما توقف بعض الكتب والروايات بدون منعها أو إجازتها وقد وصل الحال لمنع ما يقارب 90 في المائة من الروايات وأصبحنا نعرف سلفاً ما الذي سيتم منعه». وينوه لظاهرة يعتقد بأنها خطيرة، محذراً: «على سبيل المثال، الشعر محكوم عليه بالإعدام مقدما لكون الجماهير لا تقبل عليه وبذلك سترفض دور النشر في أي بلد نشر مادة لا طلب عليها، بجانب ذلك المؤلف القديم دائماً يخرج طبعات جديدة مبنية في غالبيتها على العلاقات القديمة مع دور النشر وهذا يشكل تكتلاً ضد انتشار الأقلام الجديدة والمتوافدة على السوق بدون معرفة ما ينتظرها، خصوصا الأقلام الشاعرة التي بدأت تضمحل خلال العشرين سنة الماضية وهذه الحالة تشكل انعكاسا لحالة الإحباط السائدة لدى المواطن العربي».
مدير دار عالم الكتب وعضو اتحاد الناشرين العرب، عضو الجمعية السعودية للناشرين السعوديين عبد العزيز الشبانات، يحلل الأسباب الموضوعية التي تشمل مثلث الظاهرة المكون من المؤلف ووزارة الثقافة والبعد الاقتصادي، موضحًا: «يصطدم المبدع المؤلف بالكثير من الأمور مثل مدة إجازة الكتاب من اجل الفسح الذي يتسبب في تعطيل إصداره مع أن النظام ينص على أهمية الرد خلال موعد أقصاه شهر».
ثم تأتي بعد ذلك تكاليف الطباعة لكون قيمة الورق واليد العاملة في المطابع السعودية مكلفة نسبيا ً.
وأحيانا يتقمص المؤلف شخصية الناشر ويحمل كل الأدوار ويبحث عن طباعة كتابه بتكلفة اقل وبالتالي يأخذ على عاتقه التوزيع ويعتقد انه ببيع الكتاب بشكل شخصي سيخفف من العبء المادي، وهناك فئة من المؤلفين لا تقبل دور النشر السعودية أن تتبنى الإصدار لهم فيضطرهم ذلك إلى السفر لدور نشر عربية.