"مقتل بائع الكتب".. حاضر العراق بقالب روائي
جاء الموت الغامض للمثقف وبائع الكتب العراقي محمود المرزوق مشابها لحياته، إذ عاش على الهامش، واستمر فيه إلى أن فارق الحياة وهو في السبعين من عمره بطريقة مجانية لا تليق برجل يحفظ التاريخ بين عينيه وبين وجدانه وأوراقه.
المرزوق هو بطل رواية "مقتل بائع الكتب" للروائي العراقي محمد سعد رحيم التي اختيرت في القائمة القصيرة للجائزة العالمية للرواية العربية إلى جانب "السبيليات" للكويتي إسماعيل فهد إسماعيل، و"موت صغير" للسعودي محمد حسن علوان، و"زرايب العبيد" للروائية الليبية نجوى بن شتوان، و"في غرفة العنكبوت" للمصري محمد عبد النبي، و"أولاد الغيتو.. اسمي آدم" للبناني إلياس خوري.
في هذه الرواية يعيد الكاتب رواية التاريخ المعاصر للعراق عبر تحقيق استقصائي يبدأ مع وصول صحفي يقوده الفضول ويدعى ماجد بغدادي إلى مدينة بعقوبة (ستون كيلومترا شمال بغداد) في مهمة استقصائية تمتد لشهرين كلف بها من قبل شخص ثري متنفذ لن نعرف هويته.
وضمن أحداث الرواية نجد أنفسنا أمام مجهول أول وأساسي يريد أن يعرف سبب الموت المجاني لواحد من العراقيين كان ينبغي له أن يكون ملء السمع والبصر حيا وميتا طبقا لما حصدته يداه وعقله ووجدانه.
أغلفة الروايات التي اختيرت في القائمة القصيرة للجائزة العالمية للرواية العربية 2017 (الجزيرة) |
وتتوالى المفاجآت عن القتيل المجهول تقريبا، ويعثر على دفتر دون فيه المرزوق بعض يومياته التي تؤرخ لحياة المدينة منذ اليوم الأول للغزو الأميركي واحتلال العراق عام 2003، ويعثر الصحفي على رسائل متبادلة له مع امرأة فرنسية تعمل عارضة فنون (موديل) للرسامين تدعى جانيت، وتؤكد الأوراق أن علاقة عاطفية كانت تربطه بها أثناء فترة لجوئه إلى باريس.
وتتكشف شخصية المرزوق من هذه المصادر والقصاصات وغيرها، وتظهر فصول من حياته المثيرة غير المستقرة، وعلاقاته وصداقاته مع النساء والرجال، وتجربته السياسية في العراق، ومن ثم في تشيكوسلوفاكيا، وهروبه منها إلى فرنسا، ويبقى سبب القتل مجهولا.
وفي تفاصيل نضال المرزوق يكتشف القارئ أسبابا عديدة تفسر دوافع قتل رجل مثله بدءا من ثقافته الواسعة إلى تدوينه تاريخ احتلال العراق منذ اليوم الأول.
ويؤكد الراوي أن المرزوق ليس شخصا عاديا أبدا، فمنذ اللحظة الأولى لظهوره الروائي يشعر القارئ بأنه التقاه في منتديات القاهرة، أو الصالونات الثقافية لبغداد، أو معارض الفن التشكيلي بالجزائر، فهو رسام وعاشق للموسيقى والأدب واللغات والكتب والجمال والعلاقات الإنسانية.
ويختصر البطل تاريخا من النضال، سواء داخل العراق أو خارجه، ليكشف محمد سعد رحيم عن قصة تكررت لعظماء بلا عدد شاءت أقدارهم أن يعيشوا مجهولين ويموتوا من دون أسباب واضحة في أرض الوطن أو خارجه.
وتقدم الرواية بلغة رشيقة وسلسلة صورة للنخبة ولنشاط الصالونات الأدبية. وقال المؤلف الفائز بعدد من الجوائز بينها جائزة الإبداع الروائي العام 2000، وجائزة أفضل تحقيق صحفي بالعراق العام 2000 إنه كتب روايته "بلغة حاولت أن تكون بسيطة".
والكاتب من مواليد ديالي (شمال شرقي العراق) عام 1957، عمل في الصحافة، وله إنتاج فكري وأدبي، ومن كتبه المنشورة "الصعود إلى برج الجوزاء" (1989) "ظل التوت الأحمر" (1993)، "نهى والبحر" (2000)، "بغداد"، و"تحريض" (2004).
وكالة الأناضول.