Skip to main content
«اسمعي ما تقول يداي».. ومضات شعرية مفتوحة على التأويل

ومضات شعرية مكثّفة، منحازة إلى الصورة الحركية والفضاءات اللونية، ومنفتحة على التأويل، تلك أبرز ملامح نصوص الكتاب الجديد للزميل الشاعر رشاد أبو داود، والذي صدر حديثا عن دائرة الثقافة بالشارقة، تحت عنوان «اسمعي ما تقول يداي»، وهو الإصدار الثالث له بعد كتاب «لكم أنتِ بي» وديوان «كلام طري».
ويواجه أبو داود في ديوانه الجديد خراب الراهن في المشهد العربي، من خلال الانحياز إلى الحياة وأدواتها، وكأنه يؤشر بطريقة غير مباشرة إلى خسارات الإنسان من خلال اجتراح فضاء متخيّل مفعم بالمحبة والحيوية، من شأنه أن يُعيد الإنسان إلى كينونته من جهة وإلى ذاته من جهة أخرى، يقول الشاعر: «يا وقت/ تمهل/ أريد أن ألحق بي!».
وتتجلى الأنوثة في الديوان بوصفها حبل نجاة، (تمددي/ العتمة تتسع..)، ومعادلا موضوعيا للحياة والتجدد، ليس للشاعر فقط ولكن للطبيعة أيضا، من خلال تعاشقها مع تلك الطبيعة تارة، ومن خلال تماهيها مع ذات الشاعر تارة أخرى، يقول أبو داود: «أصابعي/ على صدرك/ تنمو سنابل/ وفي الحصاد/ أجعل/ من الحبّة.. قُبلة».
هي ذات متشظيّـة إذن، تحاول أن تلملم نفسها في مرآة الأنوثة بداية، ليتمكن من العودة إلى الحياة من جديد، وإذا حال الراهن دون ذلك يوم الشاعر يكون «عصيبًا»، ويكون «الحزن سيد الظلال»، أما البسمة فتكون -كما يقول الشاعر مخاطبا أنثاه المرتجاة- «عصيّـة على شفاه لم تقبلكِ».
وتأتي لغة الشاعر في الديوان حمّـالة أوجه، وقابلة لقراءات متعددة، عمادها المخيال الجامح، الذي يحاول تجاوز الواقع ماديا ومعنويا.. يقول أبو داود: «العتمة/ طريقي المضيء/ إلى آثامك المقدسة». كما تستند تلك اللغة إلى مرجعيات سريالية حادة، تسخر من الواقع، يقول الشاعر: «الساعات تمضغ الوقت/ تدلي لسانها/ وتدل حشود الحزن/ على حواسي المرّة».
الكتاب نفسه كان صدر ضمن إصدارات مجلة «الرافد»، التي يرأس تحريرها د. عمر عبد العزيز، وتوزع سبعة آلاف نسخة، وقد كتب مقدمته الدكتور الشاعر راشد عيسى، وفي تلك المقدمة نقرأ:
«رشاد أبو داود إعلاميّ معتّق أدار تحرير مجموعة من الصحف العربية، وهو كاتب مقالة ماكرة تجمع بين حريق الفكرة ورحيق الأدب يعالج المعنى الاجتماعي بانثيال من التخييل الفني أو الانسيال السردي الشفيف، فالأديب فيه ينازع الصحفي ولغته الفنية تحرج لغته المعيارية وذلك في كتابه [لكَمْ أنتِ بي] وهو مجموعة منتخبة من المقالات المنشورة.
ولما كان الأديب في رشاد سيد سلطته الوجدانية فإنّ تحولات نصه منحازة بالضرورة إلى الاستبراق الأدبي الذي يحرج عقلانية الفكرة الاجتماعية السائدة في السياق الصحفي المعروف. وذلك لا ريب استبراق يُعلي من حضور الأنا المتشظية ويقودها إلى مرائيها ومعارجا الذاتانية في ملاوعات ومكابدات قلبانية أسيانة كأنها فاكهة الألم وعذوبة الأنين وهو ما نتحسّسه ونلمسه في هذه النصوص من فن التوقيعة أو فن الإيماض.
من الجليّ أن أبا داود يجتاز خبرة حياتية واسعة ويمتلك آفاقاً معرفية ممدودة، وفؤاده الكوني مستغرق في صناعة الأمل، وإذا أضفنا إلى هذا كله درايته الفطنة بأخلاق اللغة وأمزجة الصياغة التعبيرية الإيمائية أدركنا أنّ ومضاته هذه إنما هي الشرر المتطاير من قدح حجر صوّان بآخر أو هي لحظات سعادة النحل بسرقة الرحيق من أزهار برية في وادٍ موحش.
.. وبهذا أجرؤ على القول إن أبا داود في ومضاته هذه يسجّل إضافة نوعية لفن التوقيعة (الومضة)، بمياسمها الأدبية المبدعة راسماً صوته التعبيري الخاص على مرآة كبيرة من مرايا المشهد الثقافي العربي المعاصر».

الدستور.

02 Apr, 2017 12:05:54 PM
0

لمشاركة الخبر