Skip to main content
غيداء كاتبي تصدر كتاب "الطبري المؤرخ والكتابة التاريخية في العصر العباسي"

صدر عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر- بيروت، كتاب بعنوان 'الطبري المؤرخ والكتابة التاريخية في العصر العباسي'، للدكتورة غيداء عادل خزنة كاتبي.

جاء الكتاب في ثلاثة فصول، حيث تناول الفصل الأول الذي حمل عنوان 'الطبري والكتابة التاريخية في القرن الثالث الهجري'، الطبري ومكانته العلمية، البيئة العملية له، والكتابة التاريخية في القرن الثالث الهجري.
بينما يتحدث الفصل الثاني الذي جاء بعنوان 'الطبري منهجه ومصادره في الفترة العباسية -132-170هـ/749-787م'، عن المجالات التي اهتم بها الطبري في هذه الفترة ومصادر رواياته، ومنهجه في عرض أحداث هذه الفترة.
المؤلفة رأت في مقدمة كتابها أن التاريخ كخبرة بشرية طويلة، حظي دون غيره من العلوم والمعارف بعمليات من التفاعل والانصهار الثقافي، كفلت له بالمحصلة نتاجا هائلا من العلم والوعي.

وبينت أننا نتجاهل العديد من المؤرخين الأوائل الذين كان لهم الفضل والأسبقية في حماية هذا الجهد البشري، المتشكل من الأحداث والمعارف، من الضياع أو التلاشي، بل نجدهم نجحوا وبشكل مبدع وملفت من جميع قدر هائل منه، على جانب تمكن البعض منهم أحيانا من إعمال عقولهم وأذهانهم فيه تحليلا ودراسة، وبرز في هذا الإطار احد أهم المؤخرين وهو 'محمد بن جرير الطبري- ت310هـ/922م'، باعتباره الموسوعة الحضارية الأوسع للقرون الهجرية الثلاثة.
واعتبرت كاتبي أن الطبري نجح في عملية رصد جميع مجالات الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعي على امتداد هذه القرون، لتتكشف بفضل جهده جذور النهضة التي شهدتها القرون اللاحقة، كل ذلك عن طريق حفظه العديد من الروايات التي يلاحظ عليها التنوع والتعدد حول الحدث الواحد أحيانا، لكنه في الحقيقة تكرار له مغزاه ومعناه، فالرواية الواحدة جاءت لتحمل في مضامينها إضافات وشروح تفتح آفاق القارئ وتنبهه لتأثيرات وتداخلات جديدة طرأت على الحدث فكان لها قيمتها على مساره من جهة، وعلى إطار النشاط الإنساني وطبيعته من جهة أخرى.

وحتى نفهم هذه الموسوعة، بحسب المؤلفة، علينا ان نتعرف بداية على منهج الطبري وتدقيق أسلوبه المتبع في إعدادها، خصوصا ان دراسته كمؤرخ، بشكل منفرد يعد ظاهرة تاريخية لها أبعادها وميزاتها، فالإمعان فيه هو في الحقيقة قراءة تاريخية متأنية لمرحلة مهمة من تاريخ الحضارة الإسلامية، مبينة أنها وقفت عند جميع حيثيات منهجه سواء مصادر رواياته أو الإسناد أو النقد أو التأريخ لديه.

وأوضحت كاتبي أنها قامت بتقسيم الكتاب إلى مرحلتين: الأولى من العام '132هـ-170هـ/749م-786م'، والثانية من العام '171هـ-302هـ /787م914م'، ويعود هذا التقسيم إلى 'المرحلة الأولى'، التي حظيت بتركيز واضح من الطبري، بالاعتماد على عدد من الرواة أو المصادر كانت اغلب الروايات تأتي بإسنادهم، كما أن الأخبار والروايات خلال هذه المرحلة في أكثرها جاءت بأسانيد متصلة، ربما لبعد الفترة الزمانية التي يعالجها، والتي ارتكز فيها الطبري على استقاء أخباره عن طريق مطالعة العديد من المؤلفات والمصادر المكتوبة، تلك التي يبرز فيها استخدام أسلوب الاستناد من جهة، اضافة إلى وضوح تأثير الطبري باتجاه المحدثين القائم على ضرورة إسناد الأخبار، وربطها بسلسلة متصلة من الرواة من جهة اخرى.

وأشارت المؤلفة إلى أن المرحلة الثانية ظهرت فيها ميزة تعداد الرواة وعدم التركيز أو الاعتماد على راو معين دون غيره، باستثناء حالة واحدة تتمتع بهذه السمة ظهرت واضحة في رصد الطبري لأخطر حركة سياسية عاشتها الدولة العباسية، هي حركة صاحب الزنج '255هـ-270هـ/868م-883م'، حيث أورد تفاصيلها عن طريق احد الكتاب ممن كان من أتباع صاحب الزنج، ثم تبدل به الحال ليصبح من رجال الدولة البارزين، وهو أبو الحسن محمد بن الحسن المعروف بشيملة الكاتب 'ت280هـ/893م'، وطبيعة أسلوب الاعتماد على هذا المصدر الأساسي لهذه الحركة تحديدا، يجب التوقف عنده، وتفكيك مضامينه بعناية، باعتباره امرا يضعنا بوضوح أمام مفاصل ومحطات تاريخية وفكرية مهمة في ذهن الطبري المؤرخ، تعكس طريقة أسلوبه في قراءة الأحداث التي يعاصرها.

وهناك سمة أخرى في تلك المرحلة، وهي كما قالت كاتبي 'قلة عدد الروايات على الرغم من طول الفترة الزمنية، مما يشكف في الوقت نفسه عن ركائز أساسية في مصادر الدراسات اللغوية والأنساب والفقه خلال النصف الثاني من القرن الثالث الهجري/ التاسع الميلادي، ويتجلى في مصادر الطبري عن هذه الفترة، من خلال التطور الذي جرى في القرون التالية، بدلالة بقاء روايات الطبري المؤرخ أساسا ومعينا لا ينضب في عملية دراسة التاريخ طول القرون التي تلت حياة الطبري، وما تزال حتى اليوم اساس الدراسة التاريخية، نظرا لشمول أخباره ودقتها عن القرون الهجرية الثلاث الأولى، يضاف إليها الصورة العامة التي قدمها عن العهود التاريخية السابقة للإسلام، والتي تجمع آراء معظم المؤرخين وعموم المصادر التي وصلتنا، على أن دقة المؤرخ الطبري ومنهجيته في اختيار معلوماته، وهي دقة لا تضاهي او تجارى.

02 Apr, 2017 03:22:00 PM
0

لمشاركة الخبر