Skip to main content
«ابتسامة بريئة».. نصوص ساخرة تحاكي الواقع

«لبسمتها وقع غريب على نفسي.. وقع شبيه بالتغريد.. مع أنني لم أسمع في حياتي أية أصوات منذ ميلادي.. لأني في الحقيقة أصم.. كنا نتعامل بالإشارة.. كنت أحب تعبيرات وجهها.. كانت رقيقة.. فاتنة.. كنا نتقابل في حديقة الحيوان.. ثنائي رقيق.. كمحمود ياسين ونجلاء فتحي».
بمثل هذا الأسلوب الذي يجمع بين الفكاهة الساخرة، والمسحة الرومانسية، يكتب هيثم مصطفى نصوصاً تغوص في واقع المجتمع المصري، بلغة قريبة من فهم الناس البسطاء، وهي لغة أقرب إلى السهل الممتنع، التي يوظف خلالها مصطفى مونولوجات عدة من فنون السرد، بين تقنية السيناريو والحوار المسرحي، بما في ذلك التقرير المباشر المقصود.
هذه اللغة ترافق الكاتب عبر خمس عشرة قصة أبرزها: العهد، والست هانم سكرتيرة الرئيس، وابتسامة بريئة، والمباراة، ومن خلف أدخنة النرجيلة، وضربة معلم، وانتظرت منها رداً وغيرها.. وهي القصص التي جاءت في مجملها ذات طعم خاص، لما تتمتع به شخصياتها من عفوية وسذاجة في بعض الأحيان، ذلك لأنها تعيش وتتحرك في بيئة حيوية، يجمعها هم مشترك من البحث عن السعادة المفتقدة، في ظل أزمات معاصرة اجتماعية واقتصادية وثقافية وفضاء مفترض من الحرية المبتغاة والمأمولة.
صدر كتاب «ابتسامات بريئة» الذي جاء في 120 صفحة من القطع المتوسط عن دار شهرزاد للنشر والتوزيع في القاهرة، وقدم لها الكاتب نفسه بعبارات دالة حيث قال: «هي مجموعة بسيطة بها تجارب لحيوات قاسية لبعض الناس، لكنها في النهاية يجب أن تحتفظ برونقها وبسمتها البريئة».
يمكن القول إن هذه القصص المتسلسلة التي جاءت بين دفتي الكتاب يجمعها فضاء مشترك، ينسج علاقة متداخلة بين كل نص وآخر، فهي إلى جانب كونها تمتاز بمسحة عاطفية أو رومانسية من خلال علاقات البوح التي ترد في ثنايا بعض النصوص، وعلى لسان الشخصيات، كأنها تغوص عميقاً في النفس البشرية، فتتحدث عن الآلام، ووجع الحياة، وقسوة الآخر.
وربما يزيد من طرافة هذا السرد القصصي الماتع، هو تلك العبارات الموحية، التي ينسجها الكاتب على شكل برقيات أو لقطات سريعة، تشبه إلى حد ما تقنية التصوير السينمائي، وهو الأسلوب الذي لا يمله القارئ، وهو يتعرف إلى مجموعة من الأفكار والثيمات وطرائق السرد التي لا تخلو من تكنيك بارع، سواء على مستوى الحوار أو بناء الشخصيات.
وتعكس المجموعة كذلك غزارة ثقافة الكاتب، فهو يوظف نصوصه بسلاسة متناهية، حتى وهو يتجول بين علاقات مختلفة يغلب عليها موضوع الحب، لكنها في قصص أخرى تغرق في بؤس ورداءة الواقع المعاش، ومع ذلك تظل هذه النصوص محافظة على رونق الكتابة التي تتميز بملكة تعبيرية مدهشة لا تخلو من طرافة، وهي تتجول وسط شريحة يغلب عليها الشباب، هؤلاء الذين يشكلون الغالبية في المجتمع المصري كما هو في سائر المجتمعات العربية.
قدرة الكاتب على توظيف السخرية والنكتة في الشارع المصري، لتتحول عنده إلى موقف وقضية وربما فكرة إنسانية ذات قيمة، هي من العتبات المهمة في هذه المجموعة القصصية التي تعبر في نهاية المطاف عن موقف منحاز للأغلبية الصامتة، وهو ما يمكن إدراجه في خانة الأدب الهادف أو الملتزم، ويعبر بالتالي عن رؤية فلسفية، لكنها تقدم ببساطة غير مبتذلة، وفي وقالب قصصي لا يخلو من المتعة والموهبة الفذة.

07 Apr, 2017 10:01:58 AM
0

لمشاركة الخبر