إبراهيم أحمد: ذلك اليوم البعيد
في ذلك اليوم البعيد!
صار المجد للجعجعة
المجد للضجيج،
للصخب!
للشعارات ضخمة عالية!
للنجوم حطت من عليائها على أكتاف الرجال!
جثة الرجل العجوز توزع على أنياب الشوارع ، وتأكلها قلوب كالأفاعي!
صورة الرجل الكبير ترتفع، ترتفع ،طابقت القمر، خلبت أنظارهم حتى ما عادوا يستطيعون قراءة أسمائهم، وجوه أطفالهم،
أسماء مدنهم وشوارعهم!
أخذهم التيه، وأسكرتهم خمرة المجد الفاسدة ، يهزجون يردحون، بحت حناجرهم!
تطايرت أوتارهم الصوتية كخيوط العناكب،
أتوا ببغاوات ملونة تتلوا لهم قصائد نارية لبشارة ما كانوا يدرون أنها تحمل نبوءة موتهم!
دمارهم، وقطع نسلهم!
قيامة الشقاء العظيم، ابتلعهم كالجحيم!
كل اللافتات التي رفعوها لم تكف أكفانا لهم.
كل الأسلحة التي تقاتلوا بها لم تقتل بعوضة خرابهم!
لم تمنحهم حلما واحدا،
ولا نومة هانئة في ليلة صيف!
قرر أن يصمت!
أوغل في الصمت!
لا خوفا على حياة أدرك أنها لم تعد تساوي عقب سيجارة ، بل لأن طبلات آذانهم تمزقت في صراخهم!
من سيسمعه في ذلك الوادي العميق؟
ثمة أرواح ممسوسة لا تزال تزعق عليه من أجواف تلك الببغاوات وقد التحقت بها أسراب الغربان!
ثمة أرواح لاذت مثله في ظلال النخيل حزينة محبطة
كأن أصواتهم رجع صلاة " المجد للصمت، المجد للدموع!"
ثمة زهور برية ترقب سحبا تلقي حمولتها في البحر!
بحر من الرمال يزحف إلى مدنهم ملتهما الماء والسراب!
ذلك اليوم البعيد، صار كل الأيام!