اتهامات ودعاوى.. اتحاد كتاب المغرب في مفترق طرق
انضاف إلى العثرات التنظيمية التي لا تزال تعيق عقد المؤتمر الوطني الـ19 لاتحاد كتاب المغرب، المقرر من 24 إلى 26 نوفمبر/تشرين الثاني الجاري، جدل ساخن اتخذ شكل اتهامات واتهامات مضادة على مستوى المكتب التنفيذي للمنظمة، التي لعبت في عقود سابقة أدوارا ثقافية ومجتمعية بالغة الأهمية، لتواجه اليوم تحديات جسيمة في سياق تحولات كبرى تمس الثقافة والدولة والمجتمع.
وكانت إكراهات تنظيمية ولوجستية قد حملت مكتب الاتحاد على تحويل وجهة المؤتمر، الذي يرفع شعار "اتحاد كتاب المغرب.. نحو أفق تنظيمي وثقافي جديد"، من مراكش إلى طنجة، لكن الصعوبات لا تزال قائمة، حسب المعنيين، في سبيل وضع الترتيبات الكفيلة بإنجاح مؤتمر تأخر عن موعده.
ويبدو أن اتحاد كتاب المغرب لم يخلق الاستثناء ضمن حضيرة المنظمات الثقافية والسياسية والجمعوية التي تواجه منذ سنوات سؤال أزمة الدور والهوية في ظل تغيرات متسارعة وانطباع عام بانحسار قدرتها على الفعل والتأثير، مما يجعل المؤتمر لحظة اختبار حقيقي لمدى امتلاك القدرة الفكرية والتنظيمية على بث روح جديدة في مفاصل المنظمة، التي يتم الناقد عبد الرحيم العلام ولايتين على رأسها.
عضو المكتب التنفيذي للاتحاد الكاتب عبد الدين حمروش، الذي عرف بمواقفه المعارضة لطريقة تدبير المنظمة وتوجهاتها في ظل القيادة الحالية، يقدم قراءة لمسار يراه انحدارا من تاريخ حافل بالمواقف الوطنية والقومية إلى واقع يصفه بـ "التلاشي".
ثم يخلص إلى واقع يجد اتحاد الكتاب نفسه فيه على "عتبة الإفلاس التام" التي يؤرخ بدايتها مع عهد حكومة التناوب التوافقي في المغرب. ومنذ ذلك التاريخ، أخذت تتأسس مرحلة جديدة، عنوانها "الصراع على المصالح الشخصية لأعضاء المكاتب التنفيذية المتعاقبة (السفريات والتمثيليات والتعويضات، إلخ)".الإفلاس التام
يستحضر حمروش دوره الفاعل في سياق تاريخي وطني خاص، ارتبط بالبدايات الأولى لبناء الدولة المغربية لما بعد الاستقلال، وانحياز اتحاد كتّاب المغرب إلى بعده الوطني التقدمي، مقتربا بذلك من أحزاب الحركة الوطنية، ومشكلا بؤرة جذب لمختلف الكتّاب والمثقفين من مختلف التوجهات الأيديولوجية والحساسيات الكتابية.
ويرى حمروش أن الأمر بلغ مستوى خطيرا من الانحدار، في ظل غياب رؤية وإرادة ثقافيتين واضحتين، مع الرئيس الحالي، "الذي مكّنته معرفته بدواليب المنظمة الثقافية (لأكثر من عقد) من الاستحواذ على القرارات الثقافية والمالية والإدارية، معطلا بذلك مختلف الأجهزة، بما فيها المكتب التنفيذي والمجلس الإداري". ويؤكد في هذا الباب أن "من علامات الاستحواذ على القرار، وبالتالي تعطيل الأجهزة، أن اتحاد الكتّاب يوجد اليوم في وضعية لا قانونية، بحكم انتهاء ولاية المكتب الحالي لأكثر من سنتين".
ولاحظ حمروش أنه "على الرغم من التلاشي شبه التامّ للمنظمة الثقافية، لا يكفّ الرئيس الحالي عن التشبث بالولاية الثالثة ضاربا بذلك القانون الأساسي عرض الحائط. وبدل المواقف النيرة، التي عوّدنا عليها الاتحاد، بتنا نتساءل عن الديمقراطية والشفافية والحكامة داخل الاتحاد نفسه. ومن ثمّ، لم يعد الأخير يختلف عن باقي الأحزاب والجمعيات التي أصابها الوهن والإفلاس، في مغرب مُحتاج إلى مثقفيه التنويريين في هذه المرحلة العصيبة، التي لها أكثر من صلة بتراجع منظومة القيم".
يقول عبد الدين حمروش إن المؤتمر المقبل مطلوب منه الإجابة عن سؤال الحاجة إلى الاتحاد من خلال التفكير في إعادة الاعتبار لمواقف الاتحاد النقدية إزاء الدولة والمجتمع من منظور تقدمي حداثي ومستقل. ولتجسيد ذلك، يشدد على ضرورة "إرساء شفافية مالية، وحكامة إدارية، وتشاركية فاعلة بين أعضائه وأجهزته".
ويضيف العلام أن الاتحاد يواصل بقوة لعب أدواره الطلائعية التي كانت له منذ تأسيسه، وواصل القيام بأدواره التقليدية أو المستحدثة، وخصوصا على مستوى مواصلته تنشيط الحقل الثقافي الوطني، والترويج لثقافة ولأدب حديثين، واستقطابه لطاقات أدبية جديدة تتعايش جنبا إلى جنب مع جيل الكتاب الرواد والمؤسسين.الرأي الآخر
يقابل هذه الرؤية الناقدة لواقع الاتحاد وحصيلة ولايتي رئيسه عبد الرحيم العلام، جرد مخالف يقدمه هذا الأخير الذي يعتز بتنفيذ برنامج ثقافي متميز، في راهنية موضوعاته وأسئلته وأهدافه، إلى جانب انتهاج الاتحاد سياسة جديدة في مجال النشر لفائدة أعضاء الاتحاد، مما نتج عنه نشر أكبر عدد من الكتب في تاريخ المنظمة، تجاوزت اليوم مئة كتاب، في تنوع اهتماماتها الأدبية والنقدية والفكرية والفنية.
وضدا على المواقف المنذرة بالإفلاس، يدعو العلام إلى الوقوف على "ما ينجزه الاتحاد ويساهم به اليوم من مواقف وتصورات وبيانات وأنشطة كبرى، ومن سنه سياسة غير مسبوقة للنشر، وتفعيله للدبلوماسية الثقافية، فضلا عن حضوره اللافت على مستوى المؤسسات الدستورية التشريعية والتنفيذية، وغيرها من المنجزات والمكاسب غير مسبوقة في تاريخ الاتحاد".
وفي المقابل، أقر العلام بأن ظهور أجيال جديدة من الأدباء والكتاب "يستوجب حتما من المؤتمر المقبل أن يصوغ خريطة طريق جديدة للاتحاد، وفق رؤية تنتصر للمستقبل دون أن تفرط في المكتسبات النضالية العديدة لهذه المنظمة وفي المبادئ العامة التي أسست من أجلها، قبل أزيد من خمسين سنة من الحضور والتجدد".
جدل صاخب
هذا النقاش المتجدد حول الدور الثقافي للاتحاد، احتجب في الآونة الأخيرة خلف جدل صاخب هيمن على الوسط الثقافي المغربي، فجرته ورقة نشرتها الكاتبة ليلى الشافعي، عضو المكتب التنفيذي للاتحاد، تحدثت فيها عن فضائح في التسيير المالي واختلالات في التدبير الإداري وممارسات "لا أخلاقية" نسبتها إلى رئيس الاتحاد وبعض أعضاء المكتب. كما أكدت إحالتها طلبا لدى الجهات القضائية للتدقيق في حسابات الاتحاد.
وردا على هذه الاتهامات، أعلن رئيس الاتحاد لجوءه إلى القضاء للفصل في هذه الادعاءات، في وقت صدر قرار من المكتب التنفيذي بطرد ليلى الشافعي على خلفية ما وصفها بـ "المواد الصحفية التشهيرية الموجهة ضد اتحاد كتاب المغرب وأعضائه".
واتهمت قيادة الاتحاد الكاتبة المغربية بالتشويش على أداء المنظمة وحسن سيرها، "في فترة حاسمة من تاريخها، وهي على مشارف عقد مؤتمرها الوطني التاسع عشر، الذي يعتبر الفضاء الملائم والأنسب للمحاسبة ولطرح ومناقشة كل القضايا والبرامج والأفكار والهواجس والأسئلة وتصريف الخلافات، بالأساليب الحضارية والشجاعة المعروفة".
في هذا السياق المضطرم، يدعو عدد من الأصوات في المشهد الثقافي إلى تحرك الرواد المخضرمين للأدب والثقافة في البلاد من أجل إنقاذ سفينة الاتحاد التي علقت أسئلتها الحقيقية، أسئلة الإبداع والثقافة والحرية والحداثة.