رحلة السعادة إن مشيناها!
جرّدتنا التقنية من القدرة على الانتباه، وأثار التنقل بين التطبيقات اكتئابنا. فكيف نكون سعداء في عالم اليوم. عند البروفيسور بول دولان الخبر اليقين.
إيلاف: بدأ بول دولان حياته المهنية اقتصاديًا متخصصًا في شؤون القطاع الصحي، ثم أصبح عالمًا متخصصًا بالسلوكيات. بفضل عمله في مجال السعادة، عُيّن مستشارًا للحكومة البريطانية، وله أعمال تتصدر قائمة الكتب الأكثر مبيعًا. كما أكسبه عمله لقب "البروفيسور السعيد".
نقاطه الرئيسة تتلخص في أن السعادة من لحظة إلى أخرى أهم كثيرًا من تقويمنا رضانا عن الحياة عمومًا؛ وثانيًا، إن السعادة تتكون من متعة وهدف نحتاجهما بمقادير متفاوتة؛ وثالثًا، أن الخبرات لا تجعلنا سعداء إلا إذا أوليناها اهتمامنا.كتابه "السعادة بتصميم: البحث عن المتعة والهدف في الحياة اليومية" Happiness by Design: Finding Pleasure and Purpose in Everyday Life (منشورات بنغوان، 9 جنيهات إسترلينية) يهتم بالسعادة اليومية، وربما لا شيء سوى السعادة اليومية.
رحلة السعادة
يبدأ دولان رحلة السعادة في كتابه من قاعة اللياقة البدنية قائلًا إنه يجد متعة في التمرين. وبمرور الزمن، أصبح هذا النشاط الممتع هادفًا حين بدأ يتعامل مع نظامه الغذائي وتمارينه البدنية على أنهما مشروع. التمرين، كما هو معروف، مفيد للصحة العقلية وبالتمارين يبدأ يومه. وهو يؤكد أن المسألة لا تتعلق بالوقت وتوافره، بل بتحديد الأولويات. وكان إيجاد طرائق لغرس عادات مفيدة محور عمله مستشارًا للحكومة.
في مقابلة مع صحيفة "دايلي تلغراف"، قال دولان إننا جميعًا نحب التواصل مع الطبيعة حتى عندما نظن عكس ذلك، وإن وضع نبتة في المكتب أو على النافذة يجعل الشخص سعيدًا.
البروفيسور دولان مليء بمثل هذه النصائح. لكنه يوضح أنه أكثر اهتمامًا بالأفكار التي تقف وراءها. وعملًا بما يؤمن به، أوجد لنفسه بيئة تساعده على اكتساب عادات مفيدة. ويرتبط هذا برأيه القائل إن عيشنا الحياة كما يتوقع الآخرون أن نعيشها إنما هو وصفة للحرمان من السعادة.
بحسب دولان، يقضي الإنسان الحديث الكثير من الوقت في التموضع في فضاء واسع، يكون فيه هدفًا للأحكام والتقويمات، ولا يقضي وقتًا كافيًا في فضاء الخبرة الفردية الخاصة. أورد مثال سيدة ناجحة في قطاع المال تعمل ساعات طويلة، قائلًا إن هذه السيدة قد تدرك أنها على الرغم من افتخارها بمركزها وراتبها، فهذا الافتخار نادرًا ما يخطر ببالها.
توزيع الاهتمام
مما يقوله دولان أيضًا إن المهم هو كيفية توزيع الاهتمام، مقترحًا تركيز الاهتمام على الأشياء التي تهمّنا ونحن نعيش ونتنفس، وليس التفكير بها في إطار قصة كبيرة.
هذا كله قاد البرفيسور دولان في طرق فلسفية لا تلقى قبولًا واسعًا. فهو يحب طفليه، لكنه يشير إلى دراسات تبيّن أن إنجاب أطفال لا يجعل الأشخاص سعداء. وهو لا يعتقد أن هناك قيمة متأصلة في أشياء، مثل الحقيقة أو الجمال، قائلًا إنها لا تكون مهمة إلا إذا كانت ذات فائدة للأشخاص بشكل من الأشكال.
يؤمن دولان بالتوقف عن ممارسة الأشياء التي لا تسعدنا، موصيًا مشاهدي الأفلام بأن يغادروا صالة العرض إذا كانوا لا يستمتعون بالفيلم. وهو لا يقضي إجازات طويلة مع عائلته، لأنها تعني الاستمرار في رعاية الأطفال والعناية بهم، لكن في مكان آخر.
الأكثر إثارة للجدل هو أن البروفيسور دولان لا يقرأ الروايات، وقال إن الآخرين ظنوا أنه لا يقرأ الكتب، في حين أنه يقرأ الكثير من الكتب غير الروائية.
8.5 من 10
كما يرى دولان أن التقنية جرّدتنا من القدرة على الانتباه، وأن التنقل بين التطبيقات يثير الاكتئاب. ويشير إلى هاتفه على الطاولة قائلًا للصحافي الذي يجري مقابلة معه: "حتى هاتفي يقوم بدور الحاجز الذي يمنع تواصلنا على النحو المطلوب"، ثم يضع الهاتف بعيدًا.
لكنه يقر بأن التكنولوجيا يمكن أن تجعل الحياة أكثر متعة، كأن تتيح لنا الاستماع إلى الموسيقى أو القراءة في أثناء توجّهنا إلى العمل والعودة منه إلى البيت.
حين سُئل دولان عن درجة سعادته، قال إنها 8.5 من 10. وأوضح أنه على الرغم من العمل الاختياري الذي يمكن أن نمارسه لنكون أكثر سعادة، فإن "هناك كمًّا هائلًا من التنويع الفردي الداخلي". لكن الداخلي ليس كل شيء، ويمكن إتباع نصيحة دولان بسؤال نفسك: "كم كنتَ سعيدًا يوم أمس؟"، ثم أكتب الإجابة، واسأل نفسك السؤال نفسه بعد أسبوع أو شهر، وإذا ارتفعت درجة السعادة في الإجابة الجديدة، فإن دولان ربما يكون خبيرًا في السعادة يستحق الاستماع إلى رأيه.
أعدت "إيلاف" هذا التقرير عن "تلغراف".